إم بي سي

TT

خلال الفترة المخملية المصوغة برائحة الحب، والألفة والجمال، جرى حديث كثير عن البرنامج الظاهرة «الأراب آيدول» وعن المتنافسين فيه، الذين كانوا متقاربين في المستوى وفرص النجاح، وعن لجنة التحكيم التي قادها الفنان العربي المحبوب راغب علامة وشاركت فيها الفنانة الحلوة نانسي عجرم والفنانة القوية الحضور والشكيمة أحلام والفنان «الشيك قوي» حسن الشافعي.

لقد جرى الحديث كثيرا عن التصوير البارع والإخراج المتمكن، والموسيقى الجذابة والمذيع أحمد والمذيعة أنابيلا صاحبيّ الحضور السلس والقدرات الاستثنائية على التآلف مع إيقاع البرنامج، وهويته العربية وحياده الذي يحسد عليه لكثرة ما فيه من تجرد لمصلحة الفن، ودعم وتشجيع للبراعم المتنافسة.

كما جرى الحديث كثيرا عن التصويت ودور المال الشعبي، ومال البزنس والشركات الكبرى، والمليارديرات الذين لا تأكل النيران أرصدتهم، وكيف أن الأبطال في السجون الإسرائيلية تحايلوا على السجان وصوتوا بكثافة.

ولأول مرة في عالمنا العربي المثخن بالجراح والغارق في بحور الدم، نرى هذا الكم الكبير من الاهتمام بالفن وأهله وصنّاعه؛ ففي فلسطين مثلا وهي التي تصلح أكثر من غيرها في تحديد تحول المزاج، نرى صور الشاب اليافع الوسيم محمد عساف ترتفع على الجدران وواجهات المرافق العامة، مثلما نرى صور أحمد جمال الشاب الأسمر القريب إلى القلب في مصر، وفرح صاحبة الصوت والصورة المتنافسين في الجمال، خارج دوائر الدمار والدم في سوريا على قلة مساحتها.

وهذا يهمس في أذن الوطن العربي بجملة مفيدة تقول: لقد سئم الناس صور الساسة والزعماء، وها هم يتعلقون بصور الفنانين ومنتجي الحب والفرح في زمن الدم الذي حين سفح على أيدٍ عربية صار أرخص.

غير أنني أحببت وأنا الذي أكتب في السياسة وأتحدث في السياسة، أن أكتب عن الحب الذي أشاعته الـ«MBC»، واكتسحت به الحزن المتراكم في القلوب فانجذب إليها الناس على النحو الذي فاجأنا جميعا، فنحن أبناء العروبة ولكثرة تعمق الحزن في نفوسنا صرنا نخاف من الفرح، حتى إن جاء إلينا نقول وعيوننا مغرورقة بالدموع «اللهم عدي هذه الفرحة على خير».

سأتحدث هذه المرة فيما هو أرقى من السياسة بكل محاججاتها ومماحكاتها ومناظراتها المملة، سأتحدث عن الـ«MBC»، ولي ذكريات عميقة وقديمة مع هذه القناة الرائدة، ذكريات لم تتشكل من خلال مشاركتي في برامجها السياسية على مدى دورات كثيرة، ولكن من خلال التأسيس أيام كنت عضوا في لجنة رأسها وزير الإعلام السعودي المرحوم محمد عبده يماني ورعاها من بعده الفنان المتعدد المواهب والقدرات الوزير عبد العزيز خوجه، كانت مهمة هذه اللجنة التي تضم جميع الدول العربية، البحث في كيفية الاستخدام الإعلامي للقمر الصناعي العربي قيد التأسيس، والذي كان يدير العمل لإخراجه إلى حيز الوجود المهندس العراقي المشاط.

كانت الـ«MBC»، هي أولى ثمرات هذا الغزو الحضاري للفضاء، وكانت من أعطى لـ«العربسات» هويته الإعلامية الحضارية الأولى.

إذن.. ولئن كان التمويل سعوديا، فإن التأسيس كان عربيا خالصا، إن شهادة المنشأ والحاضنة تشهد بذلك، وبوسعكم التأكد بسؤال كل من شارك في تلك القصة، أي جميع أعضاء اتحاد الإذاعات العربية الذين مثّلوا آنذاك العرب جميعا.

تستحق الـ«MBC»، أن نهنئها ليس على برنامج اخترق حاجز الإبداع إلى ما فوقه سواء في الفن أو الرياضة أو باقي برامج المنوعات، ولكن للثورة الناعمة التي غيرت المزاج العربي، وأخرجت ما في القلوب من مشاعر مكبوتة.

إن الالتفاف حول أغنية جميلة لا يلغي أبدا الكفاح المتعدد الجوانب والوجوه، نحو الهدف الوطني والقومي والإنساني النبيل، بل إنه يغنيه ويعمقه، واسألوا الصامدين الفلسطينيين في السجون والمدن والقرى المحاصرة، كيف أتاح لهم الفن الجميل فرصا أفضل لمواصلة الصمود والتمسك بالحق والسعي بصورة متكاملة لبلوغ هدف الحرية والاستقلال الذي غنى له عساف وهو طفل «علّي الكوفية».

تحية لـ«MBC»، تحية للإعلام الذي يشيع الحب والرغبة في الحياة وإلى مزيد من النجاحات.