ليس للناصح إلا (شط أب)

TT

يذكر لنا التاريخ الوثائقي أن بداية العلاقات الأميركية العربية تعود إلى الأيام الأخيرة من الثورة الأميركية، حيث وقع السلطان المغربي (محمد بن عبد الله الثالث) في عام 1778 معاهدة صداقة مع الأميركيين، والتي جعلت المغرب البلد الأول في العالم الذي يعترف بما يسمى اليوم بالولايات المتحدة الأميركية.

وقد كتب (جورج واشنطن) رسالة حميمة للسلطان المغربي يدعوه فيها بـ(الصديق الرائع العظيم)، وأضاف واشنطن في رسالته «إننا لنرخص أرواحنا وجهود شعبنا، ولدينا ما يكفي من الأسباب لنباهي بأنفسنا بكوننا أصدقاء حقيقيين.

والبلد العربي الثاني الذي كانت له علاقة مع أميركا هو (عمان)، وقد وقع معاهدة صداقة معها عام 1833، وفي سنة 1840 قام السلطان (بن سعيد) بإرسال أول مبعوث عربي للولايات المتحدة عبر السفينة العمانية (السلطانة).

غير أن القس الكلداني (الياس الموصلي) يعتبر هو أول رحالة عربي إلى العالم الجديد، فتاريخ رحلته إلى الأميركتين كان في عام 1668، أي قبل ظهور الولايات المتحدة الأميركية بنحو قرن من الزمان، ويصف في مخطوطه أو مذكراته مشاهداته للحياة في المستعمرات الإسبانية وللظلم الواقع على سكان البلاد الأصليين - من يطلق عليهم (الهنود الحمر) - من قبل المستوطنين الإسبان والكنيسة ومحاكم التفتيش، وكان الغرض من الرحلة هو جمع التبرعات من مستعمرات العالم الجديد لترميم الكنائس في العراق، وقد تم العثور على مخطوطة في سوريا عام 1905.

وجاء في معرض ما كتبه: «وما زلنا مسافرين والأرياح تلعب بنا، ونحن في نصف الدرب، فصادفنا مركبا إنجليزيا موثوقا به مجموعة من العبيد السود عددهم سبعمائة نفس، قد جاءوا بهم من بلاد البرازيل من حكم البرتغال حتى يبيعوهم في بعض جزائر الهند».

ومن مشاهداته المضحكة التي لم أقتنع بها قوله: «شاهدت أغصانا ساوية معدلة من غير ورق، وفي كل غصن ثلاث جوزات مثل القطن، فإذا انفتح جانب الجوزة رأيت داخلها حمامة بيضاء بجناحيها ورجليها، ومنقارها أحمرُ، وعيناها سوداوان، فهذه يسمُّونها زهرة الروح القدس، وكثير من الحكام السبنيولية أرادوا أن يُحضروا منها ويزرعوها في إسبانيا فما قدروا...».

أما مشاهدته التي اقتنعت بها فهي تذمره من النساء (بائعات الهوى)، اللواتي تكالبن عليه، وعندما حاول النصح لإحداهن، فما كان منها إلا أن ترد عليه بغضب وهي ترفع حذاءها في وجهه قائلة له: «شط أب» - حسب تعبيره وكتابته - وبعد أن تلقى تلك الإهانة المعتبرة رجع إلى مسكنه مكسور الخاطر، وصاغ هذه الأبيات الركيكة من الشعر يهجوها ويهجو معها كل مثيلاتها من النساء قليلات الأدب:

ترنو بقد الغنج والدلال

وما عليها هيئة الكمال

وقد غدت أسيرة الترنح بخمرة

من رأسها لم تبرح

عند فراق وتلاق قد وجب

تقبيلهن عندهم يا للعجب

يمشون أزواجا بالانقياد

لهن شنكلة الأيادي

وكل هذا ليس بالأوهام

لكن بمشهد من الأنام

ترد النصح بالحذاء ضربا

فلم يذق أمر منها حربا

وختم قصيدته (العصماء) تلك مفتخرا بالنساء من بني قومه:

«إذ قد دعت سارة إبراهيما

سيدها لشخصه تكريما

وقد أطاع الرجل النساء

في الشرق واحترمه الأبناء

وليس حانة وسكرى فيها

بالكاد زق جعة يكفيها

تشبثا بالفضل والعفاف

وما أتى بشأنهنّ كافي».

[email protected]