الدبكة الكردية والدبكة العربية

TT

بعد مرور سنة واحدة من تأسيسه، أصبح المركز الثقافي العراقي من المؤسسات العربية المهمة في بريطانيا، يرتاده سائر العراقيين والعرب والأجانب ممن تعنيهم ثقافة العراق. لم يعد يعج بالمحاضرات والندوات وحسب، بل أصبح ينظم دورات دراسية منتظمة في شتى الفنون والمواضيع مفتوحة للجميع.

قصدته قبل أيام لمشاهدة الحفلة الفولكلورية الكردية التي شملت الغناء والموسيقى والرقص. فمن مميزات هذا المركز تفتحه بحرية ليبرالية على الحضارة والمدنية بشتى ألوانها وتفرعاتها. انتهت الحفلة بالرقص الفولكلوري. لفت نظري فيه هذا التباين بين التراث العربي والتراث الكردي. تراث الشمال وتراث الجنوب، تراث الجبال وتراث البوادي. كثيرا ما يشير الكرد باعتزاز إلى مشاركة المرأة مع الرجال في الرقص. يعدونه وبحق مظهرا من مظاهر تعلقهم بالديمقراطية وتحرر المرأة ومساواة الجنسين. كثيرا ما تتحول الدبكة الكردية، هلبركي، إلى مناسبة اجتماعية للتعارف بين الذكور والإناث، الوقوع في الحب، الخطبة والزواج.

إخواننا الكرد قوم محاربون أشداء. ولكنني لم أجد شيئا من هذه الروح في رقصهم، ولربما يعود ذلك للحضور النسائي فيها، وأثر المرأة عليها. يعتمد إيقاع الهلبركي على هز الصدور. ويا ويل من ينظر لصف الحسناوات الكرديات بثيابهن الزاهية المذهبة والمفضضة وهن يتشابكن بأيديهن ويطرقن الأرض بخطوات ناعمة.

الدبكة العربية الجنوبية، الجوبي، رقصة حرب. لا مكان للمرأة فيها. ولا ألوان فيها غير الأبيض والأسود، يرقصها المحاربون ليشدوا من عزيمتهم وحماسهم تحت صوت الهوسات الغنائية الصاخبة قبل الانطلاق للمعركة:

حل فرض الخامس قوموا له

بالدم يتسجل خلوها

لا دور للمرأة هنا غير الزغردة بالهلاهل والتلويح بالعباءات السوداء لرفع الهمة في المقاتلين. وكرقصة حرب، يعبر الراقص عن عزيمته بقدميه بضرب الأرض بقوة في خطوات كبيرة هجومية على ضربات الطبول وإيقاع قوافي الهوسة، في دوران محموم إلى الأمام، وهو يتابع القائد الذي يمسك بمنديله ويلوح بالتقدم. يمسك كل منهم بذراع صاحبه تعبيرا عن التكاتف في القتال.

ما أروع أن نحظى بهذين اللونين من الرقص في أمسية واحدة بعد وليمة من المأكولات الكردية طبختها وجاءت بها متطوعات من بنات كردستان. أكلت وطربت وأخذتني الذكريات ورمت بي في هوسة صديقنا الراحل زاهد محمد رحمه الله:

هربجي! هربجي كرد وعرب!