حماسة كيري تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط

TT

سواء تمكن من إعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، أو فشل في نهاية المطاف كما فشل كثيرون من قبله، لا يستطيع أحد أن ينكر أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بذل قصارى جهده في هذا الصدد.

وخلال رحلته الحالية التي تعد الخامسة له للمنطقة منذ توليه منصب وزير الخارجية في شهر فبراير (شباط) الماضي، التقى كيري بعد ظهر الجمعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد اللقاء الأول الذي استمر لمدة 15 ساعة في محادثات ماراثونية امتدت حتى منتصف الليل.

وخلال الفترة بين الاجتماعين مع نتنياهو، انتقل كيري عبر الضفة الغربية إلى العاصمة الأردنية عمان، والتقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقام الأردنيون بإعادته إلى القدس مرة أخرى في طائرة هليكوبتر عسكرية.

وقال كيري لنتنياهو بابتسامة أمام الكاميرات: «قريبا جدا». وجلس الزعيمان على نفس المقاعد في نفس الجناح في فندق «ديفيد سيتادل» بالقدس، وتصافحا بنفس الطريقة، مع اختلاف ربطات العنق. ويوم السبت، يعتزم كيري العودة إلى عمان لعقد اجتماع آخر مع عباس، وفقا لمسؤول بارز بوزارة الخارجية الأميركية.

وخلال الأسبوع الماضي، ناضل كيري مع الحلفاء العرب فيما يتعلق بسوريا، ودخل في مشاورات فيما يتعلق بمفاوضات محتملة مع حركة طالبان الأفغانية، وأدلى بدلوه في الجدل الدائر بشأن إدوارد سنودن.

ولكن الشيء الواضح هو أن عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية هي المحرك الأساسي لهذه الرحلة، ففي هذا المكان، بحسب أصدقاء وزملاء وبعض من المستفيدين من حماسته، خاض كيري تجربة كبيرة في السياسة الخارجية والعلاقات والدروس السياسية.

وأعلن كيري عن خطط لبرنامج بقيمة 4 مليارات دولار يهدف لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني، كما انضم لوزير الدفاع تشاك هيغل في تعيين الجنرال المتقاعد جون ألين، قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان، مبعوثا خاص للقضايا الأمنية الإسرائيلية. ويعتقد كيري أن نهجه الذي لا يقاوم - المتمثل في مزيج من الأمن والضمانات الدبلوماسية، بالإضافة إلى الاقتراحات الاقتصادية - سيكون جذابا لكلا الطرفين.

وقاوم الإسرائيليون والفلسطينيون إغراءات مماثلة من قبل الكثير من وزراء الخارجية السابقين على مدى عقود. ويلقي بعض الساخرين بنظراتهم على العاطفة الكبيرة التي يبديها كيري، ويتساءلون عما إذا كان يعيش في عالم افتراضي بعد خسارته للانتخابات الرئاسية عام 2004.

وبينما يرعى الرئيس أوباما عملية السلام بكل قوة، لم يركز البيت الأبيض كثيرا على الجهود التي يبذلها كيري في هذا السياق. ومع ذلك، أشار مسؤول رفيع في الحكومة الأميركية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن أوباما هو الذي أعطى كيري الضوء الأخضر للمضي قدما.

ورغم عدم ضمان النجاح، قال أوباما في مؤتمر صحافي في عمان في شهر مارس (آذار) الماضي: «ما أستطيع أن أؤكده هو أننا سنبذل مزيدا من الجهد. ما أستطيع أن أؤكده هو أن وزير الخارجية جون كيري سوف يقضي قدرا كبيرا من الوقت في مناقشات مع الطرفين».

ومن بين الأشياء التي تجعل كيري يعتقد أن الأمر مختلف هذه المرة هو إلحاح الوضع، في ضوء الأزمات التي تجتاح المنطقة، وحالة الملل التي تنتاب المجتمع الدولي لما بات ينظر إليه على أنه تعنت كبير من جانب إسرائيل، علاوة على عدم قدرة الفلسطينيين على عدم تنظيم الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي، وهو ما جعل كيري يحذر مرارا من أن «النافذة تغلق» أمام إجراء محادثات ذات معنى.

ويملك كيري ثقة كبيرة في جدوى طاقته ومهاراته الخاصة خلال اللقاءات الدبلوماسية وجها لوجه مع المسؤولين، كما يملك خبرة كبيرة في السياسة، ولديه علاقات كبيرة مع معظم اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط بفضل العقود التي عمل خلالها في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بما في ذلك أربع سنوات كرئيس للجنة خلال ولاية أوباما الأولى.

ويقول السياسيون الإسرائيليون، بغض النظر عن وجهة نظرهم في أي مفاوضات محتملة، إن كيري يتعامل مع إسرائيل باحترام وتفاهم، وإنه يتخذ الموقف الصحيح.

تنطوي خطة كيري على الكثير من الجهود السابقة، حيث يقوم جزء كبير منها على المبادرة العربية لعام 2002 التي تضمن أمن إسرائيل وتحمل وعدا بوجود علاقات دبلوماسية وتقدم حلا للقضية الشائكة المتعلقة بحقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.

عرض كيري خطته الخاصة ببرنامج تكلفته 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني خلال خطابه في منتدى الاقتصاد العالمي في شهر مايو (أيار) بالأردن. واستعان بشخصيات قيادية في عالم الأعمال الأميركي من أجل وضع نماذج للنمو الاقتصادي في فلسطين والإقليم تستفيد منها إسرائيل والأردن وفلسطين.

وقال دبلوماسي أميركي رفيع المستوى، له باع طويل في إرساء دعائم السلام في المنطقة، إن تحمس كيري أثار إعجابه ويأمل أن يتمكن من الحفاظ عليه في مواجهة الاختلافات الكبيرة. ويواجه كل من عباس ونتنياهو تحديات سياسية داخلية، لكن لم يظهر بعد أي دليل على رغبتهما في القيام بما يتطلبه التوصل إلى حل طويل المدى. مع ذلك ورغم الشكوك التي تثيرها التجربة يبدو أن بعض الأطراف الإقليمية الفاعلة أصبحت متحمسة لمحاولات كيري.

* خدمة «واشنطن بوست»