أين علماء السنة والشيعة؟!

TT

نحن نعيش حقبة يتعرض فيها الإسلام والمسلمون لموجة مدمرة على يد أهله نتيجة لتفسيرات غريبة للإسلام والأفعال غير المسؤولة لبعض المسلمين، وهو ما يجعلنا نموذجا واضحا لما تقصده الآية الكريمة «يخربون بيوتهم بأيديهم» (سورة الحشر: 2).

ومن المحزن أن نرى هذه الأمثلة تتكرر في كل مكان: في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا ولبنان، وأخيرا في مصر. انظر إلى العالم الإسلامي، مسلمون يقتل بعضهم بعضا باسم الإسلام.

من ناحية أخرى، يشهد الإسلام وبعض الدول الإسلامية نهضة، ولعل تركيا وماليزيا أبرز الأمثلة على ذلك، وفي المقابل، نرى العرب مغرقين في آمالهم بنتائج الربيع العربي. هذه بالفعل قضية محيرة، فهناك جانب مشرق تماما، وهناك جانب آخر معتم تماما.

هذه المعضلة تذكرني بالفصل العاشر من كتاب آرنولد توينبي «محاكمة الحضارة»، والذي يشرح فيه أفكاره بشأن العلاقة بين الإسلام والغرب والمستقبل، وقد نشرت نسخة الكتاب الذي أمتلكه عام 1948.

يقول توينبي في كتابه: «الوحدة الإسلامية نائمة، ولكن علينا أن نتوقع إمكانية أن يستيقظ النائم. تلك الدعوة قد تكون لها آثار نفسية لا تحصى في استحضار الروح المتشددة من الإسلام - حتى وإن طالت نومتها كأهل الكهف - لأنها قد توقظ أصداء العصر البطولي. ففي حقبتين تاريخيتين كان الإسلام الرمز الذي تمكن من خلال مجتمع شرقي من الانتصار على غزاته من الغرب. كانت الأولى في عهد الخلفاء الراشدين الذين حرروا سوريا ومصر من السيطرة اليونانية التي حكمتها لأكثر مما يقرب من ألف سنة. والثانية في عهد نور الدين زنكي وصلاح الدين، والمماليك الذين تمكنوا من صد حملات الصليبيين والمغول. وإذا كانت الحالة الراهنة للبشرية تتعجل حربا عرقية، فقد يتحرك الإسلام ليلعب دوره التاريخي مرة أخرى. وأتمنى أن لا يحدث». «محاكمة الحضارة».

وبعبارة أخرى، فبناء على نظرية توينبي، تحولت الحرب إلى داخل العالم الإسلامي. وبالعودة إلى التاريخ المعاصر قد يتساءل البعض منا عمن أنشأ حركة طالبان و«القاعدة» في الأساس؟ فكما نعرف كانت طالبان و«القاعدة» ركيزتين أساسيتين في النموذج الجديد للعالم الإسلامي.

ولم يكن احتلال أفغانستان وقتل أسامة بن لادن - على الرغم من الشكوك بشأن مقتله - مؤشرا على بداية نهاية طالبان و«القاعدة»، فقد أدى أيضا إلى نموها وتوسعها إلى دول أخرى، كالعراق واليمن ولبنان وسوريا. وللإنصاف، فقد فضلت أميركا وإسرائيل في محاولتهما لتشويه صورة الإسلام من خلال حوادث مثل قطع رؤوس أبرياء باسم الإسلام، بقاء استمرار «القاعدة» في العالم الإسلامي.

وتلك مشكلة مهمة، ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟ كيف، ومن أي زاوية يمكننا أن نجد ونتعامل مع جذور المشكلة؟ هذا سؤال جوهري ينبغي علينا التعامل معه. على الصعيد الشخصي، أعتقد أن دور العلماء في هذا الإطار يمكن أن يكون إما بناء وإما مدمرا. فعلى سبيل المثال، يمكن رؤية السلوك المدمر عندما يصدر عالم فتوى بأن الشيعة ليسوا بمسلمين وأنهم كفار. الحقيقة أن هذه الفتوى يمكن اعتبارها سببا رئيسا في قتل الشيعة في مصر وسوريا. ومما لا شك فيه أن الأفراد الذين قتلوا بعضهم البعض يعتقدون أنهم بذلك يتقربون إلى الله وأنهم سيدخلون الجنة.

الفتنة الكبرى كانت السبب الرئيس وراء كل عمليات القتل في العالم الإسلامي. رغم تحذير القرآن الكريم من الفتنة: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة». (الأنفال: 25)

هل يمكننا أن نتخيل فتنة أكبر من قتل مسلمين أبرياء، سنة أو شيعة، أو أقباطا؟ أعتقد أن مراكز الشريعة الإسلامية الرئيسة والأزهر الشريف وفي المملكة العربية السعودية، والنجف وقم، تتحمل مسؤولية كبيرة في منع وإنهاء هذه الكارثة.

كخطوة أولى، ينبغي علينا أن نتقبل وجود مذاهب إسلامية مختلفة، وقبول كل من السنة والشيعة بفروعها المختلفة. وقد ركز الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر الجديد، على هذه المسألة بالذات في أول خطاب له بوصفه أمير قطر، حيث قال: «نحن مسلمون وعرب نحترم التنوع في المذاهب، ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها، وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي؛ ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين والطائفة، ولأن هذا الانقسام يسمح لقوى خارجية بالتدخل في القضايا الداخلية العربية وتحقيق نفوذ فيها، بغض النظر عن الدين والطائفة، ولأن هذا الانقسام يسمح لقوى خارجية بالتدخل في القضايا الداخلية العربية وتحقيق نفوذ فيها».

وأعتقد أن علينا أن نقبل التعددية في كل الدول العربية، فكلنا أصحاب هدف مشترك. في البداية ينبغي علينا أن نقر ونحترم قيم وعقائد الآخر. فعلى سبيل المثال، بناء على مدرسة أهل السنة فهم يحترمون كل أصحاب النبي، ونحن كشيعة نحترم هذه الفكرة. الأمر الثاني، في إيران، على سبيل المثال، يعيش ملايين السنة في بلدنا، لذا من المنطقي أن نحترمهم.

وأعتقد أنه ينبغي على آيات الله في النجف، وخصوصا آية الله العظمى السيستاني، أحد أبرز آيات الله في العالم الشيعي وفي قم أيضا، نشر بيان يحرمون فيه الاساءة إلى الصحابة وأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها.

ولحسن الحظ فقد أدان آية الله خامنئي مرارا وصراحة في كلمته، التعرض بالإساءة لصحابة النبي. وأمر بهدم مسجد أبو لؤلؤة في كاشان. وعندما كتب صديقي رشيد الخيون مقالا عن مسجد أبو لؤلؤة، ربما لم يكن يعلم أن المسجد لم يعد قائما في إيران بعد. (رشيد الخيون: ضد الطائفية، ص 188).

نحن بحاجة أكثر من ذي قبل إلى علماء الخير لا علماء السوء، كما يقول الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين»، وبحاجة إلى علماء خير مثل الشيخ شلتوت، وآية الله العظمى بروجردي، والعلامة كاشف الغطاء ومن هم على شاكلتهم. وعندما قال الشيخ القرضاوي إننا بحاجة إلى تسليف الصوفية، وتصويف السلفية، تلقيت كلماته بسرور كبير وكتبت مقالا في «الشرق الأوسط» حينئذ. وقد كان للشيخ شلتوت فتوى معروفة بشأن الشيعة، جاء فيها: «مذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعا».

كانت تلك خطوة عظيمة للأمام في حل المفاهيم الخاطئة بين الشيعة والسنة. ولا تنسوا أن كل علماء التطرف سنة وشيعة، هم عناصر الفتنة في أيدي أعدائنا المشتركين. يقول ربنا «ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا». (البقرة: 286).

ويقول الغزالي في «إحياء علوم الدين»، ص 22: «هيهات هيهات، قد ندرس علم الدين بتلبيس علماء السوء، فالله تعالى المستعان وإليه الملاذ، في أن يعيذنا من هذا الغرور الذي يسخط الرحمن ويضحك الشيطان».