ملك الرومانسية يشهر الكلاشنيكوف

TT

هل تخيلت قبل بضع سنوات أن تشاهد صورة المطرب فضل شاكر وهو يحمل السلاح؟ فضل اعتلى قمة الرومانسية وتوجوه ملكا للقلوب المجروحة المتعطشة للمسة حب، كان صوته بمثابة النبرة الحانية التي تطبطب علينا وتدغدغ مشاعرنا بأغنيات مثل «يا حياة الروح» و«الله أعلم» و«بياع القلوب» و«نسيت أنساك» و«متى حبيبي متى» و«لابس وش الطيب» والذي كانت صوره تزين دائما صفحات الفن فجأة ينتقل إلى الصفحات السياسية، وبدلا من أن نراه يعتلي خشبة المسرح ممسكا بالميكروفون شاهدناه مؤخرا في ساحة الوغى رافعا الكلاشنيكوف مهددا ومتوعدا.

مجموعة من المتناقضات، هذا الفنان الكبير الذي احتل مكانة خاصة على الخريطة الغنائية، كان صاحب رأي في بداية الثورة السورية وانحاز للشعب، رغم صمت وترقب أغلب الفنانين والمثقفين، والذين اختار أغلبهم ولا يزال - مع الأسف - أن يمسك العصا من المنتصف، قال فضل وقتها إن ما يجري في سوريا مجازر تتم تحت رعاية بشار، خاف القطاع الأكبر من الفنانين والمثقفين السوريين واللبنانيين من بطش مخالب يد الأسد التي تمتد خارج الحدود، بينما فضل واجه بشجاعة الطاغية، إلا أن قرار اعتزاله بل وبتحريمه الفن، جاء مباشرة بعد هذا الموقف الثوري، كان من الممكن أن يحيل صوته الشجي إلى أحد أسلحة المقاومة، مثلما فعل المطرب السوري الشاب إبراهيم قاشوش موجها أغنياته ضد بشار، تمنيت أن يأخذ بثأر قاشوش الذي انتزع الشبيحة حنجرته وألقوا بجثته في نهر «العاصي»، لماذا لم يكمل فضل الرسالة؟

دائما ما أرى فضل مشاركا في مظاهرات سلفية، كنت أتمنى ألا تصبح الطائفة هي العنوان، كل تصريحاته تؤكد أن زاوية الرؤية لا تتعدى تلك الدائرة الضيقة، أصبح يفسر كل المواقف التي يتعرض لها بأنها انعكاس لظلم يعاني منه بسبب كونه سنيا سلفيا، وفتح النيران بعدها مباشرة ضد عدد كبير من زملائه، معلنا أن الفن حرام فهل كان فضل يمارس الحرام طوال أكثر من ربع قرن، وهل كل من يبدع الفن بمختلف صوره وأنماطه غارقا في الرذيلة.

«لا تبصق في بئر شربت منه» حكمة قديمة ولكن مع الأسف كثيرا ما شرب البعض من آبار كانوا هم أول من لوثوها، بديهي أن من يعش في وطن لا يسبه ومن يعش أيضا في وسط لا يشهر به، ولكنني كثيرا ما دهشت وأنا أقرأ تصريحات فضل شاكر وهو يحيل صوته الدافئ إلى سوط عذاب يلهب به كل من مارس الغناء!!

بالتأكيد كل الصفات السيئة ضد الغناء عندما يعلنها فنان بحجم فضل تصبح أداة لطعن كل من يمارس الفن، خاصة مع تنامي سطوة تيار رجعي يتدثر كذبا بالدين لديه قناعة بأن الفن رذيلة وهكذا سوف يقولون «شهد شاهد من أهلها».

نعم الحياة الفنية وطوال التاريخ بين الحين نلمح فيها تلك الأصوات وهي تعلن عن غضبها ضد الفن، إلا أن كل ذلك يهون أمام قسوة الكلمات التي أطلقها فضل شاكر، ما الذي من الممكن أن يقوله المتطرفون دينيا لو أرادوا تحريم الفن أكثر مما أعلنه فضل.

هل من الممكن أن تصبح هذه هي الصورة النهائية التي تتبقى في الذاكرة لهذا الفنان وهو مطلقا ذقنه ممسكا بسلاحه الآلي واقفا بجوار السلفي الجهادي أحمد الأسير منذرا بحرب يخوضها ضد أي طائفة تتعارض مع طائفته؟ عندما يمنح الله الفنان موهبة تصبح هي الأمانة التي عليه أن يوصلها للبشر أجمعين، فكيف يفرط فضل في الأمانة؟!