حول بيان «الخليجي» الأخير

TT

تضمن بيان اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية رقم (127)، المشترك مع وزراء المالية بدول المجلس، موضوعين جديدين لم يتم التطرق إليهما من قبل، وهما: موضوع مكافحة الفساد وحماية النزاهة، وموضوع تدخل حزب الله في النزاع الدائر بسوريا، رغم أهمية الموضوعات الأخرى مثل: احتلال إيران جزر الإمارات الثلاث، وتصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية التي اعتبرها المجلس «تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين وسلوكا ممنهجا يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي والقانون الدولي وعلاقات حسن الجوار»، وكذلك موضوع الشأن السوري المعقد، والنزاع العربي - الإسرائيلي، والوضع في لبنان، والحالة اليمنية، والحالة العراقية، ووضع المسلمين في ميانمار.

بالنسبة لموضوع مكافحة الفساد وحماية النزاهة، فقد «وافق المجلس على إنشاء لجنة لرؤساء الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد وحماية النزاهة بدول مجلس التعاون؛ على غرار اللجان الوزارية العاملة في إطار مجلس التعاون».

هذا القرار نعتبره عين الصواب، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح نحو ما تتطلع إليه شعوب المجلس من إصلاح. ذلك أنه جرى التحقق من وجود «حالات فساد»، وإلا لما جرى بحث هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات؟! كما أن هذا الموضوع لو لم يكن يحتل أهمية في تفكير المسؤولين الخليجيين لما وُضع على جدول أعمال الوزراء؟! نحن نعترف بأنه موضوع حساس وملتبس ومتداخل مع صيرورات الحياة في دول مجلس التعاون؛ إلا أن بحثه يعتبر من الأعمال الشجاعة ومحاسبة الذات وتحمل المسؤولية، خصوصا أنه من حق الأجيال القادمة الاطمئنان على مستقبلها ونصيبها من الرخاء الاقتصادي والعيش الكريم. ولكن «حماية النزاهة» تتطلب شفافية ووضوحا حتى درجة الألم والتألم! وأن تكون اللجنة الوزارية - التي وافق المجلس الوزاري على تشكيلها - على مستوى المسؤولية في طرح جميع القضايا التي «يشتم» منها رائحة فساد، حتى وإن كانت عصية على البحث. ويلح سؤال هنا: من سيبلغ عن أي ملمح لفساد في بلاده؟ وهل سيكون من صلاحيات اللجنة أن تزور بلدان التعاون؟ أو أن تضع آليات اتصال مع المواطنين الذين «يكتشفون» حالات فساد، وتقوم اللجنة ببحثها بكل تفاصيلها وبكل شفافية؟ وإذا كانت جميع لجان مجلس التعاون تتعاون وتتصل بالدول، فهل سيكون عمل هذه اللجنة موفقا في ظل أوضاع قد تقترب منها يد الفساد؟

نقول: إن التفات المجلس الوزاري إلى موضوع مكافحة الفساد وحماية النزاهة خطوة جريئة ومهمة، وتتطلب التأييد من المواطنين الخليجيين وكذلك الحكومات. ونأمل التوفيق لهذه اللجنة بما يحقق النزاهة ويقضي على حالات الفساد.

الموضوع الثاني: (تدخل حزب الله في النزاع في سوريا)، وإدانة المجلس هذا التدخل وما جاء في خطاب الأمين العام للحزب يوم 25-5-2013 «من مغالطات باطلة وإثارة للفتن، مستنكرا وعده بتغيير المعادلة في المنطقة ومحاولة جرها إلى أتون الأزمة السورية وإلى صراع لا يمكن التنبؤ بنتائجه»! ولقد طالب البيان الحكومة اللبنانية «بتحييد لبنان عن القتال في سوريا»، وقرر المجلس الوزاري «النظر في اتخاذ إجراءات ضد أي مصالح لحزب الله في دول مجلس التعاون».

ويشكل هذا البيان تجاه حزب الله موقفا صريحا من مجلس التعاون تجاه الانحياز الواضح الذي أقدم عليه حزب الله بتورطه في النزاع بسوريا، ووقوفه إلى جانب قوات النظام وفي عملياتها في إبادة الشعب السوري بكافة أنواع الأسلحة. ويبدو أن حزب الله قد تناسى مواقف دول مجلس التعاون منه، بل وتناسى مبادئه في صد العدوان وحماية الأرض والعرض، واستمرأ في العدوان واستباحة الأرض والعرض في سوريا. وهذا الموقف لا ينبئ عن استراتيجية، بل يبدو أنه «تكتيك» غير مأمون النتائج! لقد راهن (الحزب) على «حصان مكسور» في الوقت الذي خسر فيه سباق المروءة والكرامة عبر تاريخه الطويل. وفي ذات الوقت، أحرج الحكومة اللبنانية مع أشقائها العرب والعالم المتحضر، بتجاوزه الحدود اللبنانية وإمعانه في قتل المسلمين في سوريا، وبذلك أيد النظرية التي تقول: إن الحرب في سوريا حرب طائفية، وهذا ما سوف يجعل سوريا امتدادا للعراق وتواصلا لذات الحرب في لبنان.

بيان «التعاون» رسالة إلى لبنان الذي يحتفظ بكثير من الود لدول «التعاون»، حيث تبادله دول «التعاون» ذات الموقف، ولكن عبارة «التعاون» الأخيرة في البيان «النظر في اتخاذ إجراءات ضد أي مصالح لحزب الله في دول مجلس التعاون»، لها دلالات واضحة وقد لا تفيد اللبنانيين، خصوصا أن بعض دول المجلس بدأت فورا بتطبيق ذاك القرار.

من هنا، لا بد لحزب الله من أن ينظر إلى مستقبل علاقاته مع أشقائه العرب والدول الخليجية بالذات، وألا «ينشده» بمحور مأمول بينه وإيران ونظام الأسد! والأيام حتما سوف تثبت خطأ موقفه، مع «القصير» أو من دونها!؟