30 يونيو: مصر للمصريين!

TT

كيف احتمل المصريون نظام مبارك 30 عاما، ولم يستطيعوا تحمل نظام الإخوان ومرسي سنة واحدة؟!

على الرغم من أن مثل هذا السؤال التبسيطي هو أول ما يقفز في ذهن المتأملين للمشهد المصري فإن الإجابة عنه معقدة ومركبة نظرا لطبيعة الاختلاف بين النظامين من حيث التكييف السياسي وطريقة الوصول والأهم الأداء السياسي إلا أنه ببساطة كانت مصر في عهد مبارك ومن سبقه رغم الأخطاء الكارثية للمصريين ولم تكن كذلك في عهد الإخوان على الرغم من الشرعية السياسية التي اكتسبت عبر الصندوق وبفارق ضئيل كان نتيجة صراع القوى السياسية أكثر من تفوق الإخوان.

وعلى الرغم من كل القيل والقال في مواجهة الإخوان برئيسهم المنتخب ضد الإرادة الشعبية لا سيما من المتعاطفين مع الجماعة باعتبارها الأمل المشرقي الوحيد الذي يمكن أن يحقق يوتوبيا «الإسلام السياسي» فإن الواقع السياسي المعقد دائما ينتصر على الآيديولوجيا، رأينا ذلك مع النموذج اليساري والقومي ونماذج أخرى تبلدت في استجابتها للواقع.

أزمة «الإسلام السياسي» والتي ساهمت في دخوله مرحلة الموت السريري الآن هي عدم احترامه للواقع الذي يعني حزمة هائلة من التنوع والاختلاف والميول لا يمكن أن تستوعبها بوتقة «الجماعة» على حساب مفهوم المواطنة الإطار المفاهيمي الوحيد الذي لا يمكن القفز عليه في أحلك الظروف.

الجماعة التي لم تفرق بين السلطة والدولة والمجتمع فظنت أن الإمساك بمقاليد السلطة يعني بالضرورة ضمان تسيير الدولة والسيطرة على مكونات المجتمع المصري المتنوعة وقعت في أزمة سياسية خطيرة منذ الأيام الأولى، وما حدث 30 يونيو (حزيران) إلا «نقطة غليان» للشارع المصري أخذت وقتها منذ بدايات تولي الجماعة وفرضها لفكر شمولي إقصائي كان محل استنكار الحلفاء السلفيين قبل باقي القوى الوطنية.

الثورة التصحيحية تجاوزت سابقتها في إشارة إلى أن أداء الإخوان في عام واحد فاق سوءا أداء مبارك طيلة فترته، وهذا لا يعني أن المقارنة يمكن أن تصح في جوانبها المختلفة سياسيا واقتصاديا لكنها تصح في جانب لم يبلغه فهم الجماعة وهو «مصر للمصريين» التي كانت رغم أخطاء وكوارث حكم مبارك لا يمكن التشكيك بها حتى من قبل الإخوان أنفسهم وعموم الإسلاميين الذين عاشوا في عهد مبارك على مستوى الحريات السياسية عصرا زاهرا حتى بلغ بهم الأمر إلى اقتناعهم بمشروع «التوريث» لولا أن الأحداث لاحقا انجرفت إلى منحنيات أخرى، بالطبع التوريث كمبدأ لا يعارضه الإخوان بدليل مباركتهم له في مواقع أخرى مما يعزز البراغماتية السياسية في فكر الإسلام السياسي إن على مستوى المفاهيم أو الممارسة.

الثورة التصحيحية فاقت سابقتها عددا وانتشارا جغرافيا وحضور الجيش هذه المرة بشكل أقوى مسنودا بحالة من الغضب على سلطة الإخوان قد يقضي على آمال الجماعة في البقاء كلاعب سياسي في المشهد المصري.

في حالة فريدة في عالمنا العربي الدولة تنتفض وتثور ضد السلطة، إذا ما أخذنا في الاعتبار أنه بإزاء الإرادة الشعبية التي نزلت للشارع بشكل غير مسبوق جعل صحيفة كـ«الغارديان» تصف المظاهرات بأنها الأكبر في تاريخ البشرية؛ فإن مكونات الدولة وعلى رأسها الجيش والوزراء الناقمون والأزهر الذي يؤدي دور التهدئة وحقن الدماء وعقلنة السلطة كل هذه المكونات كانت سببا في هذه الثورة التصحيحية، وهنا دفع لشبهة المعارضة الخارجة على رئيس منتخب كل ما يملكه الآن إعلان انتخابات رئاسية مبكرة قبل أن تسيل الدماء مجددا ويتكرر سيناريو 25 يونيو، ولكن بشكل أعنف وبنتائج قد تخرج الإخوان من المنافسة السياسية، لا سيما إذا استخدمت ورقة «التحريض للقتال» التي تلوح بها جماعات جهادية تهدد بنزع جلباب «السلمية».

النقطة الحاسمة في الاحتجاجات على نظام الإخوان الذي يقود الدكتور مرسي، هي تبلور قيادة سياسية جديدة يمكن أن تمسك زمام الأمور في الفترة الانتقالية، فحتى عوامل الحسم الأخرى لن يكون لها مفعولها في حال غياب هذه القيادة، فالحسم ليس في عدد المشاركين وإن فاق ثورة 25 يونيو، ولا في دعم الجيش الذي يبدو وفق المعطيات الأولية أنه يفوق أيضا حجم مساندته السابقة التي كانت مرتبكة في البداية ثم حسمت خيارها لاحقا لأسباب تفاوضية أكثر من كونها تعبر عن قناعة المؤسسة العسكرية.

والحال أن تداعيات الثورة التصحيحية لن تقف على الداخل المصري بل ستتجاوزه إلى محاور إقليمية ودولية، كانت سببا في تصعيد «الإخوان» وانفرادهم بالسلطة، وعلى رأسها مشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط الكبير الذي كان جزءا منه استبدال الأنظمة التسلطية بقوى إسلامية معتدلة وبدرجة ثانية.

[email protected]