العقلانية هي الحل

TT

كان الشرق الأوسط ينظر إليه على أنه امتداد واحد، كما كان الحال بالنسبة لأفريقيا. وفي الجسم الإنساني يؤثر المرض في موضع ما على آخر. وقياسا على هذا، عندما تبدأ عملية «التسرطن» في منطقة تكشف عن نفسها في كل المناطق الأخرى. وفي النهاية تشعر كل الدول والبلدان والقبائل والعشائر، لا المنطقة وحدها، بالضرر كما كان الحال بالنسبة للحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج، والحرب اللبنانية الإسرائيلية وكل النزاعات الداخلية الأخرى في المنطقة.

هناك مساع تبذل للتوصل إلى حلول إقليمية لهذه الصراعات، فتجتمع جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي. وفي أفريقيا يعقد الاتحاد الأفريقي جلساته بصورة دورية. وكما اعتادوا منذ 50 عاما، لم يتمكنوا حتى الآن من العثور على حل لمشكلات أفريقيا، التي لم تتمكن من التخلص من الجوع والفقر والاستغلال طوال 50 عاما.

ولم تتمكن أي من هذه المؤتمرات أن تقدم حلا، ولن تتمكن من ذلك في ما يبدو على الإطلاق.

كل ذلك بسبب عقم الطريقة التي ينتهجونها. فالشرق الأوسط أو أفريقيا ليسا منطقتين منعزلتين، بل إن العالم نفسه جسد واحد. من ثم ينبغي ألا يستهدف الحل منطقة أو دولة واحدة، ولا يكفي أن يتعامل مع ذلك المكان وفقط. فعندما تصاب منطقة بالسرطان، لا يكفي أن نعالج هذا المكان بمفرده، فسوف يظل السرطان لأنه انتقل إلى مكان آخر.

من ناحية أخرى كان التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين على الدوام مثار اهتمام رئيس للعالم بأسره. وبدأت الهجمات تظهر في أوروبا ونتج عن ذلك ظهور مصطلح الإسلاموفوبيا. وتحولت الأنظار باتجاه المسلمين، ووجد بسطاء المسلمين في كثير من الدول أنفسهم تحت القصف، حتى ان بعض الدول الإسلامية في أفريقيا نالت نصيبا من ذلك، فضربتهم المجاعات التي أوقفت النشاط الزراعي أو الصناعي أو التكنولوجي، واستنزفوا بدرجة كبيرة، نظرا لانتشار السرطان، الذي يمكن الإشارة إليه هنا بـ«الكراهية».

على صعيد اضطرابات سوريا تقول أصوات كثيرة في الغرب: «دعوهم يقاتلون بعضهم بعضا»، ويقول آخرون: «دعونا نقدم السلاح إلى جانب واحد ونضع نهاية للحرب». وآخرون قالوا: «ما شأننا بذلك؟»، لكن أصحاب هذا الرأي الأخير لم يدركوا أن حياتهم تتحول إلى جحيم مع كل رصاصة تطلق في سوريا. ولا يدركون أن سرطان الكراهية يحيط بهم، وأن المرض الذي بدأ في منطقة من الجسم سوف يصلهم. ومن يبحثون عن حل أججوا المزيد من الكراهية، فقد أضاف حلهم بعض الخلايا السرطانية إلى المنطقة المصابة بالسرطان بالفعل، فقد فاتهم أن هذا الجسم ينتمي إليهم أيضا.

لم يكن مقتل جندي في إنجلترا مصادفة، ولم يكن ليقع على جندي في فرنسا لنفس السبب. ولا الجندي الأميركي الذي قطع آذان مواطنين في أفغانستان واحتفظ بهم كتذكارات. إن الكراهية تغذي الراديكالية. وكلما طال أمد الحرب في سوريا، بدأت الأصوات الأكثر راديكالية في الظهور لأن الراديكالية تستمد قوتها من الكراهية والخوف. وطالما استمر مناخ الحرب في العالم فسوف يواصلون الظهور وفي داخلهم إحساس عميق بالتعصب ومزودين بأسلحة أفضل لمزيد من الهجمات.

سوف تلتقي المجموعات الراديكالية بمجموعات راديكالية أخرى، كان الأمل الذي يحدو بعض الأميركيين بإعادة «الراديكاليين إلى بلدانهم، ونبعدهم عنا»، كان أملا أجوف. فإذا ما انتعشت الكراهية والراديكالية والوباء في هذا الجسد الواحد الذي نطلق عليه العالم، فإن ذلك يعني أن الأفراد وصلوا إلى أدنى مستوى، فقد انتشر السرطان إلى هناك.

قد يعقد مؤتمر جنيف الثاني المقترح كحل لسوريا، لكن يكون من الصعب توقع النتيجة. حتى وإن جرى التوصل إلى حل مؤقت في المنطقة - والذي يبدو صعبا للغاية بالفعل - لن تتوقف الخلايا السرطانية عن الانتشار. ليس بهذه الطريقة، لا بالقول فقط «دعونا نحرر سوريا» أو «دعونا نحرر العراق». إن الله لن يمن علينا بالحل بهذه الطريقة. إن العالم الإسلامي يعيش كابوسا، وينبغي بذل الجهود لخلاص المسلمين ككل.

هناك كثير من الكراهية والعنف والإرهاب والكراهية والوحشية التي ترتكب، ولن يتمكن إلا عدد قليل من المسلمين من النجاة من هذا الكابوس الذي يعيشون فيه. ولهذا السبب يجب على المسلمين العقلاء التصرف بشجاعة. يجب على هذه الفئة أن تفعل عكس ما يفعله المتشددون. ينبغي أن يتبنوا الحب والسلام وجمع المسلمين العقلانيين معا.

ما يحتاجه العالم الغربي حقا هو دعم مثل هذا الاتحاد، من المسلمين الذين يملأهم الحب والذين يشنون حملة فكرية فاعلة ضد الراديكالية، هؤلاء المسلمون هم الذين يعملون وفق الإسلام الحقيقي لا الترهات.

العالم الإسلامي الذي يدعم مثل هذا الحل سيكون لذلك قادرا على الصراع مع السرطان. حتى أن الحديث بشأن حل سيغير كثيرا، ويمكن للعلاج أن يبدأ وأن يشفى الجسد ككل. وعدم ارتكاب أخطاء سيكون الوسيلة الوحيدة لعلاج السرطان.