المطاردة

TT

في رحلتي الأخيرة لأميركا، وبعد أن مللت من كثرة السيارات في شوارع (لوس أنجليس)، وكثرة الإعلانات في تلفزيوناتها، قررت أن أخرج منها سريعا وبعيدا ولو ليوم واحد.

وفعلا ذهبت إلى منطقة تكاد تكون لوحة مرسومة من شدة جمالها، ولو أنني كنت من أصحاب النيات السيئة لقلت لنفسي: لم تبق يا أبو المشاعل إلاّ (العروسة) لكي تأتي إليك (مقرطسة) ليكتمل الجمال وتكتمل بهجتك، ولمحت أثناءها مكانا ممتلئا بالدراجات الهوائية، وبعد الاستفسار استأجرت (بسكليتا)، ودلفت بها وسط طرقات الغابة المتعرجة والسعادة والحبور يكادان يعصفان بكياني.

وبينما كنت في هذا الجو الرائع إذ تتسلط علي (بلوى) لا أدري من أين جاءت، وهذه البلوى أو المصيبة التي هي ليست إنسانا قاطع طريق، ولا كلبا ولا ذئبا أو دبا، ولكنها ويا للعجب (دبّور) - ويسميه البعض (يعسوب).

لا تسخروا مني ولا تستهينوا بكلامي، فالمسألة ليس فيها مزح، ووالله لو أن أحدا منكم كان في مكاني لأصابه ما أصابني من حمق وخوف وارتباك.

هذا (الدبّور) السخيف العنيد المقاتل، لا شك أنه من أعجب مخلوقات الله على الأرض، ولا أدري ما هي الحكمة في إيجاده؟! فلا هو نحلة تجلب العسل، ولا هو فراشة تحمل الطلع، ولا هو عصفور يشجينا بتغريده، إنه هو دائما وأبدا مخلوق متسلط على كل الكائنات.

واسمحوا لي أن أروي لكم ما حصل من دون زيادة ولا نقصان:

أقول بينما كنت منطلقا بدراجتي بأمان الرحمن وأصفر بانتشاء، وإذا بي أسمع طنينا وحركة تكاد تلامس أذني، وإذا به هو قد رصدني وانقض علي يريد أن يلهو بي، و(يوريني نجوم القيالة).

وأخذ يلف حولي وكلما ابتعد صوته حمدت ربي معتقدا أنه راح، ولكنه فجأة يعود بأشرس مما كان، ففكرت أن أنزل من الدراجة وأطلق ساقي للريح، لولا أن تذكرت أن الدراجة هي في الواقع أسرع مني، لهذا دقيت (السبيد) وانطلقت بأقصى سرعة أقدر عليها مستغلا منحدرا طويلا، وهذا هو ما فعلته، غير أنني ارتعبت عندما شاهدت ذلك (الدبّور) وهو مرتكز في الهواء أمام وجهي لا يفصلني عنه إلاّ أقل من نصف متر، كان يواجهني تماما وعيناه تبزغاني بتحد وكأنه يقول لي: أنت فين رايح؟! أنا وراك وراك، واكتشفت في تلك الدقائق الرهيبة اكتشافا مذهلا حيث إن الملعون يستطيع أن يطير بنفس السرعة سواء للأمام أو للخلف، والغريب أنني كلما أبطأت السرعة أبطأها، وكلما زدتها زادها، وظلت المسافة بينه وبين وجهي ثابتة لا تتغير، والمشكلة أنني لا أستطيع أن أضربه أو أهشه، لأنني لو فعلت ذلك فحتما سوف يختل توازني وأقع.

وفي لحظة يأس وضعف تذكرت بيت الشعر القائل:

إذا لم يكن من الموت بد

فمن العار أن تموت جبانا

وفعلا رفعت يدي اليمنى وهويت بها عليه وأخطأته، عندها اختل (الدركسون) بيدي اليسرى وحصل ما توقعته إذ أنني (تكرفست) كرفسة محترمة، وعندما نهضت لم أشاهده فقد ذهب، ولكنني ما أن تحسست جبهتي حتى شعرت بشيء من الورم والألم، فعرفت أن الخبيث قد نال مأربه منّي.

ولا أعلم إلى الآن لماذا هو شن علي ذلك الهجوم وتلك المطاردة غير المبررة؟! هل يا ترى فعل ذلك من شدّة غيرته على أنثاه منّي وأنا لا أدري؟!

احتمال.

[email protected]