حكيم العرب أكثم

TT

هو القائل «أحسن القول أوجزه» و«آفة الرأي الهوى» و«من شدد نفر» و«رب قول أنفذ من صول» والصولة: سطوة في حرب أو غيرها. ومن درره أيضا قوله إن «من علامات الجهل الإجابة قبل الاستماع». إنه «حكيم العرب» أكثم بن صيفي، الذي كان هو وغيره من الحكماء يعيشون بين ظهرانينا فسطروا لنا أروع الحكم والوصايا الواقعية التي تسهم في الارتقاء بالسلوك الإنساني في وقت نلهث فيه وراء العالم الغربي لنقتات من فتات ما يرمى لنا من حكمهم وعلمهم.

إننا في عصر نحتاج فيه إلى الحكمة أكثر من أي وقت مضى لا سيما في خضم الانفعال العاطفي الذي يموج بشعوبنا العربية بلا هوادة. ونحن في زمن لا نكاد نرى من يريد الاستماع إلى صوت الحكمة، رغم أننا كأمة عربية لم تخل يوما من عقلاء على مر العصور. وهذا ما انتبه إليه كسرى عظيم الفرس، على ما يبدو، حينما كان يستمع إلى حكيم العرب أكثم في أثناء خطبته الرائعة عندما كان ضمن وفد عربي يزور بلاد فارس، فتعجب منه كسرى ثم قال له: «ويحك يا أكثم! ما أحكمك وأوثق كلامك... لو لم يكن للعرب غيرك لكفى».

إن المتأمل لعبارات أكثم يجد فيها أبلغ معاني الفضائل وتطوير الذات وأدب الحوار. ويتجلى ذلك في مواضع عدة منها نصيحته لابنه حينما قال له: يا بني «لا تهرف بما لا تعرف». وقوله «إعجاب المرء بنفسه دليل على حمقه» و«ظاهر العتاب خير من باطن الحقد» و«رب ملوم لا ذنب له» و«آفة المروءة الكبر، وآفة السخاء المن، وآفة الرأي العُجب». و«شر الملوك من خافه البريء» و«خير الأعوان من لم يراء بالنصيحة».

وكأنني أنظر إلى هذا الشيخ الوقور، الذي قيل إنه تجاوز 150 عاما، وهو ينظر بعين الحكيم إلى مستقبل الأجيال القادمة وهي تتنازل شيئا فشيئا عن مكارم أخلاقها في الأسواق والأعمال والشوارع والمنازل فرأى ضرورة أن يهدينا باقة من مقولاته الخالدة التي تستحق بالفعل أن يعلقها كل مسؤول على جدران أروقة العمل علها تذكرنا بضرورة العودة إلى جادة التعامل الإنساني الراقي الذي هو سمة من سمات المجتمعات المتحضرة.

إن الرأي الحكيم لا يصدر بالضرورة عن حكماء أو كبار السن فقد يكون اقتراح وجيه يقدمه شخص مغمور فيه خلاص الناس من ورطة كبيرة أو فيه حل لمشكلة مستعصية في العمل أو الأسرة. وكم من اقتراح أو نصيحة حكيمة متلفزة أو مسموعة أو مقروءة أسهمت في تغيير مجرى حياتنا الشخصية وطريقة تفكيرنا، مما يؤكد بحق معنى الحديث الشريف إن «الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها».