الحب والفقر لا يلتقيان

TT

قولوا معي: لعن الله الفقر. ما أوجعه وما أظلمه! ومن ظلمه أنه يقتل الحب في نفوسنا. هذا ما لمسته من رسائل القراء تعليقا على ما كتبته بشأن السيدة أونغ سان سوتشي، الزعيمة المناضلة من أجل الديمقراطية في بورما. العجيب من تعليقاتهم أن أي أحد منهم لم يذكر الحب في أمرها وخيارها في الزواج برجل إنجليزي. يا سيد محمد أحمد محمد أنا لم أقل إنها تزوجت به لتتعلم الديمقراطية منه، ولا أرى يا عزيزي فؤاد محمد أن كل زواج يقوم على المصلحة.. نعم لقد شاع في الآونة الأخيرة الزواج بالأجانب والأجنبيات العجائز، ولا سيما في مصر، طمعا في الحصول على الجنسية الأجنبية وبالتالي الهجرة من عالمنا العربي المأساوي ومن العيش في ظل الإخوان المسلمين.. يجدون أن العيش مع امرأة أوروبية لا تعرف الله ولا الإسلام أفضل من العيش مع من يدعون الإسلام ويدجلون بالدين. وكثيرا ما انطوت أمثال هذه الزيجات بالأوروبيات على كثير من الخداع والغش وانتهت بمشكلات وخصومات. ما الدافع وراء هذا الزواج المصلحي؟

أستطيع أن أختصره بكلمة واحدة: إنه الفقر، والخوف من الفقر. تلمس ذلك حتى في الزواج التقليدي القائم على اختيار الأبوين.. تراهما دائما يحققان ويستفسران؛ ما ثروة الطرف الآخر؟ أَلَهُ منصب كبير في الدولة؟ ما نفوذه فيها؟ كم دخله؟ كم قدرته على الرشوة والاختلاس؟ يحققون في ثروة الوالد واحتمالات موته قريبا! كم سيعيش؟ هل عنده سرطان؟ ماذا قال الأطباء؟

لا محل للحب في هذا الموضوع. كل شيء يرتبط بمحاولة حماية الولد (ذكرا أو أنثى) من الوقوع في الفقر والحاجة وضمان الوفر والغنى له. تلمس ذلك حتى في زواج الحب.. ترى التلميذات في الجامعة يجرين دوما وراء ابن الذوات والمال. لم أسمع في حياتي الجامعية عن تلميذة حسناء تتزوج تلميذا معدما أو تقع في حبه، أو حتى أن تسلم عليه. الفقر ومخافة الفقر والطمع في الثروة تطرد الحب من حياتنا.

قلما ترى مثل ذلك في الدول الغربية الغنية، فالمواطن فيها لا يشعر بالخوف من الفقر أو الجوع.. حتى إذا لم يتعلم أي شيء ولم يقم بأي عمل، فالدولة تبقى مسؤولة عنه. بتحرره من فوبيا الفقر والحاجة، يستطيع أن ينعم بالحب والجمال ويهوى من تعجبه ويتزوج بمن تحبه ويحبها.. زواجهم بنا يقوم دائما على الحب، بل وعلى كثير من التضحية.

تعطينا الدول النفطية مثالا حيا على ما أقول.. فبوجود الثروة والرفاه فيها تحرر شبابها من شبح الجوع، فأصبحنا نرى الزواج المختلط بالأجانب شائعا.

قل معي يا سيد فؤاد محمد: لعن الله الفقر، ولعن البطالة، ولعن كل من أوقع مصر وشعبها الطيب، المتلهف للحب والجمال، في محنته الراهنة.