هل نتوقف عن إزعاج مرضانا؟

TT

دخول المريض إلى المستشفى لتلقي المعالجة لا يعني تلقائيا أنه أصبح تحت تصرف الطاقم الطبي، ولذا فإن هناك مع كل خطوة علاجية ورقة إقرار بـ«الموافقة المشفوعة بالعلم»، التي تشترط موافقة المريض على قيام الطاقم الطبي بإجراء الفحص أو العملية العلاجية التي ينوون القيام بها خدمة للمريض وخدمة لمعالجته.

والمريض حينما يأتي إلى المستشفى لتلقي معالجة مرضه الذي يشكو منه، يكون القرار بدخوله إلى المستشفى لتلقي المعالجة مبنيا على أن معالجته بطريقة سليمة لا يُمكن أن تتم وهو خارج المستشفى، أي في المنزل بتناول أدوية عبر الفم، بل يجب أن يتم إدخاله إلى المستشفى لتلقي المعالجة المبنية على نتائج الفحص السريري ونتائج الفحوصات التي يتم إجراؤها له. إلى هنا الأمر مفهوم، ولكن ما ليس مفهوما هو: هل القرارات الطبية التي يتم اتخاذها في سبيل العناية بالمريض والتأكد من سلامة صحته واستجابته للمعالجة، كلها صحيحة ومناسبة وضرورية؟ دعونا نأخذ مثال إجراء فحص العلامات الحيوية (vital-sign checks) للمريض أربع مرات أو أكثر من ذلك في اليوم. ومعلوم أن العلامات الحيوية تشمل قياس ضغط الدم وعدد نبضات القلب ودرجة حرارة الجسم ومعدل التنفس. وهذه تقوم الممرضات عادة برصدها وتدوين نتائجها وفق برنامج مرة «كل ست أو أربع ساعات» طوال اليوم، أي النهار والليل. ولأن المريض بشر يحتاج إلى أن ينام، خاصة أنه مريض ومُجهد ومُرهق بالمرض، فإن هذا يتطلب بداهة أن يتم إيقاظ المريض من نومه من أجل إجراء القياسات تلك. والسؤال: هل حرص الممرضات على إيقاظ المريض لإجراء تلك القياسات هو أفضل لمصلحة المريض، أم أن الأفضل هو عدم إزعاج المريض وإيقاظه حال نومه من أجل إجراء القياسات تلك؟

الجواب مبني بداهة أيضا على مبدأ الطب الأساسي، وهو أن تقييم مدى صواب أو خطأ الإجراءات الطبية مبني على البراهين والأدلة العلمية. بمعنى أن الجزم بالصحة أو الخطأ مبني على إجراء دراسات طبية تُقيم هذا السلوك الطبي وجدواه في توفير مزيد من الصحة والسلامة للمريض. احتوى عدد الأول من يوليو (تموز) لمجلة «جاما» الطبية الأميركية (JAMA Internal Medicine)، على دراسة للباحثين من جامعة شيكاغو حول هذا الأمر. ووفق ما تم نشره، وجد الباحثون أن صحة وعافية المرضى ربما ستكون أفضل لو توقفت الممرضات عن إجراء قياسات العلامات الحيوية حال نوم المرضى، وأن نصف المرضى الذين تم إيقاظهم من أجل تلك القياسات بأواخر الليل من غير المحتمل جدا أنهم سيعانون من أي انتكاسات صحية في الساعات الأربع والعشرين التالية. وقالت الدكتورة دانا إيدلسون، طبيبة الباطنة بمستشفى جامعة شيكاغو والباحثة الرئيسة بالدراسة «المستشفيات متعودة منذ عام 1893 على إجراء القياسات تلك كل أربع ساعات، ولو تم ترك المرضى ينامون دون إزعاج الإيقاظ فإنهم سيتحسنون أسرع وأفضل خلال إقامتهم بالمستشفى، وهذا الإيقاظ يزعج نوم المرضى ويحرمهم من الراحة اللازمة لسرعة تحسنهم، وكل المرضى تلقائيا يتم إيقاظهم مرتين خلال نوم الليل من أجل القياسات تلك بغض النظر عن مدى خطورة حالتهم الصحية».

وكان الباحثون قد راجعوا المعلومات المتعلقة بنحو 54 ألف مريض حول العلامات التي قد تُنذر باحتمالات توقف القلب لديهم أو استدعاء تدهور حالتهم الصحية نقلهم لأقسام العناية المركزة. ووجدوا أن 45 في المائة من مرضى المستشفيات يتم إزعاجهم بشكل روتيني بإيقاظهم لإجراء تلك القياسات الحيوية، وهم لديهم معدلات منخفضة جدا لاحتمالات تدهور حالتهم الصحية أو خطورة وضعهم بما لا يستدعي المراقبة والرصد الدقيق للمؤشرات الحيوية لديهم. وعلقت الدكتورة إيدلسون بالقول «ومع معرفتنا بضرر اضطراب نوم المريض، فإننا نفترض أن تقليل إزعاج نومهم سيُحسن من نتائج معالجتهم وسرعة مغادرتهم للمستشفى». وأضافت «نحن دون أدنى شك بحاجة إلى تغيير بعض من مفاهيم ثقافتنا العلاجية للمرضى، ونحن لا نزال نمارس طريقة قياس العلامات الحيوية بنفس طريقة فلورانس نايتينغل». وفلورانس نايتينغل هي رائدة التمريض الحديث، وتُعرف بـ«سيدة المصباح» أو السيدة الحاملة للمصباح، وهي ممرضة بريطانية عاشت بين عامي 1820 و1910.

ووصفت نانسي فوستر، مساعدة رئيس رابطة المستشفيات الأميركية لشؤون الجودة وسلامة المرضى، هذه الدراسة ونتائجها بأنها «مثيرة للاهتمام وعمل مهم جدا». وهي في الواقع كذلك لأن كثيرا من سلوكيات وثقافة معالجتنا للمرضى لم تتم مراجعة دواعيها وجدوى تطبيقها. وقبل بضعة أسابيع تم عرض دراسة حديثة في بريطانيا تعيد مراجعة جدوى إبقاء نوافذ غرف تنويم المرضى مغلقة على الدوام، وأثبتت أن ثمة أضرارا لذلك في ارتفاع معدلات عدوى الميكروبات بالمستشفيات مقارنة بفتح نوافذ غرف المرضى.

إن كثيرا من معتقدات الوسط الطبي حول الوسائل الأفضل لمعالجة المرضى والعناية بهم والتعامل معهم في المستشفيات تحتاج إلى مراجعة، وما منها لا تثبت جدواه في تحسين فرص نجاح معالجة المرضى ويتسبب في إزعاج للمرضى وذويهم أو يتسبب في هدر طاقات الطاقم الطبي أو الموارد المالية للمستشفى، من الضروري التوقف عن ممارسته.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]