الامتحان العام

TT

برع «الإخوان» في العمل السري والتنظيم الخفي. برزوا في المعارضة. أتقنوا دور الضحية وصورة المضطَهَد. فلما خرجوا إلى العلن وصاروا هم الحكم والسلطة، كانت نتائج الامتحان خائبة. في أول انتخابات حرة في مصر بدل أن يكون محمد مرسي رئيس مصر، اختار أن يكون رئيس الحزب الواحد. ولم ينتبه إلى حكومة توافقية إلا بعد أن سبق السيف العذل.

عام من التخبط في الداخل وفي الخارج. تصرف الرئيس مرسي وكأنه رئيس خلية لا رئيس دولة. ما إن وصل على جناح المجلس العسكري حتى أقال الذين تسلم منهم الراية. ما إن دانت له السلطة حتى راح يبدد القضاء وهيبته. وقف ضد النظام السوري، ولكن من طهران؛ حيث ترجم خطابه على هوى المترجم. أو تعليماته. العلاقة الوحيدة التي التزم بنودها هي العلاقة مع إسرائيل. ورئيس الدولة الوحيد الذي خاطبه بصديقي العظيم، كان شيمعون بيريس، رئيس إسرائيل.

انتخب مرسي من أجل أن يعيد المصريين الناقمين من الشوارع. فكان أن تحولوا من مليون إلى ثلاثين مليونا. مشهد لا مثيل له في التاريخ، ومع ذلك قرر أن يبقى. اجتماعه الأخير في مثل هذا الطوفان كان مع مَن؟ مع هشام قنديل، ولكن هذه المرة على كرسي مقابل وليس وراء مكتب. لأن المكتب المذهب كان في مكان آخر. ولن يستطيع أن ينقله معه إلى أي مكان.

يجب أن يتذكر المصريون أنهم هم من اقترع لمحمد مرسي. بأكثرية ضئيلة، صحيح، ولكن لأنهم لم يخرجوا لأداء واجبهم الانتخابي وتقاعسوا عن التصويت. لم يدركوا أن هذه لحظة مصر الكبرى. الذين ظلوا في بيوتهم هم الذين أسقطوا عمرو موسى وحمدين صباحي وأبعدوا محمد البرادعي. الذين تقاعسوا في بيوتهم لم يدركوا أن هذه ليست انتخابات محلية وإنما انتخابات 25 يناير. و25 يناير يجب أن يمثلها رجل يمثل جميع طيف مصر وجميع نفرها وجميع معانيها. قبل سنوات التقينا في لندن الأستاذ محمد حسنين هيكل، الزميل الذهبي سليم نصار وأنا. وقال لي الأستاذ هيكل: «أريد أن أطرح عليك سؤالا مختصرا وأرجو جوابا مستفيضا: لماذا وصلنا إلى هنا؟»، قلت: «اسمح لي الاختصار، لا الإفاضة. لأن مصر قد هانت. لأن مصر المهابة تتراجع عن موقفها خوفا من قناة (الجزيرة). ولأن أم الدنيا ترتضي مساعدة من أميركا دون الملياري دولار».

أساء الدكتور مرسي الأداء فأساء في حق مصر. بدل أن يصغي إلى إرادتها وشعبها، أصغى للمرشد. بدل أن يتأكد من نبض الناس أخذ بنبض المحسوبية. كلما أساء السياسيون أطل العسكر. وعسكري قدير خير من مدني ركيك موقفه من الديمقراطية مثل موقف أي ديكتاتور مسلح.

انقلب عبد الناصر على محمد نجيب وانقلب أنور السادات على عبد الناصر وانقلب حسني مبارك على السادات وقامت ثورة 25 يناير فانقلب محمد مرسي عليها. نحن نأمل أنها سوف تدخل عصر الاختيار الذي تستحق ولا ينقلب عليه أحد.