سنودن يضعف أركان قضيته في الولايات المتحدة

TT

قبل ثلاثة أسابيع تحدث إدوارد سنودن لصحيفة «الغارديان» البريطانية قائلا إن «الشعور بالغضب» تجاه برامج المراقبة السرية التي كشف النقاب عنها «منحني الأمل في أنه بصرف النظر عما يحدث لي، فستكون النتيجة إيجابية بالنسبة لأميركا».

غير أن هذا الأمل تبدد الآن من قبل رجل واحد، هو إدوارد سنودن. يبدو عبقري الكومبيوتر البالغ من العمر 30 عاما معنيا كلية بدرجة بالغة ما بالضرر الذي يلحقه ببلده من خلال ضمان أمنه الشخصي.

في البداية، وعدت المعلومات التي كشف عنها سنودن لصحيفتي «الغارديان» و«واشنطن بوست» بوضعه ضمن الرفقة المميزة لدانيال إلسبرغ وآخرين ممن كشفوا انتهاكات الحكومة. لكنه بدلا من عودته إلى الوطن ومواجهة المحاكمة - مقدما للأمة المناظرة التي ادعى أنه يسعى إليها حول الاتهامات المتعلقة بخصوصية الأميركيين - سمح للخبر بأن يصبح متعلقا بأكمله بحياته كهارب في هونغ كونغ وموسكو والعديد من طلبات اللجوء السياسي التي تقدم بها.

على مدار حياته، تعاون سنودن مع موقع «ويكيليكس»، المعروف بكشفه من دون قيود عن مواد سرية، وقد كان يكشف المزيد من الأسرار الحكومية التي يبدو أنها لا تخدم أي هدف خلاف إحراج الولايات المتحدة وكسب التأييد (بشكل غير ناجح حتى الآن) مع المنافسين والخصوم الأميركيين. في يوم الاثنين، نشر بيان يحمل اسم سنودن من قبل موقع «ويكيليكس» وجه إلى الرئيس أوباما تهمة «العدوان السياسي» في معارضة طلباته الحصول على حق اللجوء السياسي.

يقول المحامي الدستوري بروس فين «التركيز على اللجوء السياسي عامل تشتيت هائل، ويتناقض مع ما كان يدعي أنه سيفعل». يجب أن يحمل ذلك الرأي وزنا إضافيا نظرا لأن فين يمثل والد سنودن، ويدعى لوني. وفي هذا السياق، كتب فين إلى المدعي العام، إريك هولدر، الأسبوع الماضي ليخبره بأن سنودن الأب «على ثقة معقولة في أن ابنه سيعود طواعية إلى الولايات المتحدة» إن توافرت له «فرصة عادلة لشرح دوافعه وأفعاله». كان فين، وهو كان مسؤولا في إدارة ريغان، من أشد منتقدي برنامج التنصت على الهواتف من دون أمر قضائي، ووصف إدوارد سنودن بأنه «بول ريفير العصر الحديث» بسبب أول تسريباته. غير أن فين يتفق على أن المسرب يضر الآن بقضيته.

حدثني فين يوم الثلاثاء قائلا «ما يحدث لا يتوافق وما صرح به لغلين غرينوالد من (الغارديان)، وهو أنه لم يفعل هذا لغرض الشهرة والمجد وبدافع النرجسية، وإنما للسؤال عما إذا كنا سنضحي بحقوق خصوصية التعديل الرابع لأي ادعاء بتعزيز الأمن من جانب حكومتنا. وإلى هذا الحد، يقوض هدفه». إن شرعية برامج المراقبة الخاصة بوكالة الأمن القومي «هي الآن عرض جانبي»، على حد قول فين. وأضاف «إذا كان هذا هو ما يسعى إليه، فهذه طريقة غريبة لتحقيقه».

ما زلت أرى أن سنودن كان له مبرره في تسريب معلومات عن جهود التجسس التي تضطلع بها وكالة الأمن القومي. إن تآمر الإدارة مع لجان الاستخبارات التابعة للكونغرس حرم الأميركيين من الجدال العام الذي يستحقونه حول التوازنات بين الأمن والخصوصية. «لا أرغب في العيش في عالم، يتم فيه تسجيل كل ما أفعله وأقوله»، هذا ما صرح به سنودن لصحيفة «الغارديان» في تبرير التسريبات. وأضاف «ليس هذا شيئا لديّ استعداد لدعمه أو العيش في ظله».

كانت هذه فكرة نبيلة، وأجبرت الأسرار التي كشف عنها بعض المشرعين الكسالى على القيام بمهامهم، بطرح تساؤلات حول البرامج السرية واقتراح إدخال تعديلات على القوانين التي يصدقون عليها. لو سلم سنودن نفسه لوجد العديد من المدافعين عنه في وطنه؛ ولو قدمته الحكومة للمحاكمة، لأظهر المشهد سنودن الوطني الباحث عن ذاته الذي يزعم بحثه عن مدافعين عنه.

بدلا من ذلك، كشف في الصين عن أن الولايات المتحدة تتجسس على الشبكات الصينية. وكشف في روسيا عن أن الولايات المتحدة تتجسس على الحلفاء الأوروبيين. ليست هذه تسريبات صادمة في واقع الأمر، لكنها ليست أيضا نتاج عمل كاشف أسرار وطني. الأسوأ من ذلك أنه إذا ما كان لنا أن نصدق غرينوالد ومؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج، فقد أعد سنودن نسخا من الملفات التي حصل عليها، بحيث يمكن نشرها؛ ولا يبدو ذلك أشبه بدرجة كبيرة بنوع التسريبات الانتقائية التي كشفت مراقبة وكالة الأمن القومي من سيل من التسريبات يهدف بالأساس لإلحاق الضرر بأمن الولايات المتحدة.

وقال متحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء إن سنودن سحب طلبه بالحصول على حق اللجوء السياسي هناك بسبب مطلب بوتين (المثير للشك) بأن يتوقف سنودن عن إلحاق الأذى بالولايات المتحدة. أعلن موقع «ويكيليكس» أن سنودن ما زال يبحث عن اللجوء السياسي بين 20 دولة، من بينها قلاع للحرية، مثل الصين وكوبا وفنزويلا.

وفي حديث لصحيفة «الغارديان» الشهر الماضي، قال سنودن «لا أتوقع أن أرى الوطن مجددا، مع أن هذا هو ما أريده». وفي هذه الحالة، ما لم يكن خائنا لوطنه مثلما اتهم، فسوف يعود إلى الوطن.

* خدمة «واشنطن بوست»