مرسي الأول؟

TT

أطول وأصعب مسيرة حزب نحو السلطة، هي مسيرة الإخوان المسلمين، فمنذ تأسيس الجماعة على يد الراحل حسن البنا، إلى اليوم الذي انتقل فيه محمد مرسي من السجن إلى القصر الجمهوري، كانت رحلة طويلة وشاقة مليئة بالعذاب والموت، إنها أطول رحلة في تاريخ أي حزب.

ما إن وصل مرسي إلى القصر رئيسا، ومنذ الأيام الأولى.. بدا واضحا أن إقامة الرجل على مقعد ناصر والسادات ومبارك لن تطول، ولقد أوحى لي المشهد بمقالة في «الشرق الأوسط» قبل عام عنوانها «هل سيكون مرسي الأول أم الأخير؟»، فإذا بالأحداث الراهنة تثبت أنه الأول والأخير.

لماذا؟

نبدأ أولا بالكفاءة الشخصية، فهي المقوم الأساسي لأي رئيس في أي زمان ومكان، وإذا كان الذين سبقوه لم يولدوا رؤساء، بل إنهم واجهوا تحديات كبرى كادت تطيح بهم منذ أيامهم الأولى، إلا أنهم جميعا كانوا خريجي مؤسسة سلطوية ذات شأن، هي مؤسسة القوات المسلحة، التي هي الأقوى تاريخيا في مصر حتى في عهد الملكية، ولقد ظهرت الكفاءة الشخصية للرؤساء الضباط، من خلال قدرتهم على البقاء وطبع البلاد بطابعهم، فكانت كاريزما عبد الناصر عاملا حاسما في استمراره، ثم أداء السادات الجريء في تمييز نفسه عن ناصر وإقدامه على مغامرة صنع السلام مع إسرائيل، إلى أن أنهي عهده بالاغتيال. ثم مبارك الذي دخل موسوعة غينيس كأكثر رئيس مصري يستمر في الحكم.

لم يظهر محمد مرسي أي موهبة تدل على أنه جدير برئاسة مصر، فأضحى وفي سنة واحدة لا أكثر، مفاعلا نشطا ينتج حسرة يومية على أيام مبارك!

وخلف مرسي ظهرت سذاجة قادة الإخوان في استثمار النجاح في الانتخابات، وراحوا يتصرفون كما لو أن الأصوات العددية التي حصلوا عليها بفعل عوامل متعددة لا تخفى على المراقبين، توفر لهم شرعية يستخدمونها في تبرير الخطأ والعجز والفشل، وليس أدل على ذلك من خطاب مرسي في الأزمة يوم الثلاثاء، الذي لم يأت بجملة مفيدة واحدة يبرر فيها تشبثه بالسلطة، مكتفيا بمصطلح ساذج كرره سبعين مرة هو «الشرعية».

لم يخطر ببال مرسي ولا ببال سدنة الإخوان، أن شرعية الصندوق إن لم تقترن بشرعية النجاح، أي الإنجاز، تصبح عبئا على صاحبها لا ساترا قويا يحميه.

وغير هذا البعد المؤثر في أمر النجاح أو الفشل، ظهر على نحو مبكر ذلك الفهم القاصر الذي يعبر عن نفسه بسلوك سطحي لا يليق برئاسة دولة كبرى مثل مصر، كان يحدث كل يوم موقف يدل على ذلك. إلا أن الموقف اللافت كان الكيفية التي عالج بها مرسي مسألة السد الإثيوبي. إن معالجة هذه القضية الاستراتيجية المفصلية جرت كما لو أن رئيس مصر بصدد حوار داخلي مع نقابة أو جمعية، فكانت الفضيحة. لم ينتبه مرسي إلى أمر كهذا، لا يعالج من قبل هواة لا يعرفون عن الأمر شيئا، بل يناقش على مستوى أهم وأعرق المؤسسات في مصر وعمودها الفقري مؤسسة الدفاع عن الأمن القومي.

لقد أظهر السد الإثيوبي أن الإخوان لا يعرفون شيئا جوهريا اسمه الحكم من خلال المؤسسات، لأنهم أظهروا معرفة بأمر آخر هو كيف يملأون المؤسسات القائمة بأنصارهم، من دون الالتفات للكفاءة والقدرة ومصلحة البلد.

أخيرا..

ليست مصر الدولة والشعب من يقول فيها أهل الحكم حين يواجهون احتجاجا كالذي حدث يوم ثلاثين وما تلاه «يا قاتل يا مقتول» «وإن خرجنا من الحكم اليوم فلن نعود إليه بعد خمسين سنة».

وليست مصر الإسلامية القبطية العلمانية من يمرر بهدوء ولا مبالاة، وصم ثلاثة أرباع شعبها بالكفر والإلحاد والانحراف، بينما الجزء المتبقي يمنح نفسه سلطة الله في التحريم والتحليل، فقد ينفع أمر كهذا بصورة ما في مكان آخر إلا مصر، التي فيها الدين كالهواء يتنفسه الناس، ولكنهم أبدا لا يزجونه في السياسة. وما دام الأزهر في مصر يفتي لأمة الإسلام كلها فما الحاجة لإسلام سياسي سلطوي يركب فتاواه على ما يحتاجه يوم إضافي في القصر الجمهوري.