الثورة التصحيحية المصرية

TT

ما حدث في مصر ليس انقلابا عسكريا بل تدخل من قبل القوات المسلحة للحؤول دون نشوب حرب أهلية بين المصريين. والمنتصر الأول والأخير هو الشعب المصري الذي انتفض في وجه حكم تمادى في اتخاذ قرارات خاطئة هبطت بالبلاد إلى حالة من التأزم والتوتر والانقسام لم تعرفها من قبل.

أخطاء حكم الرئيس مرسي ومن ورائه حزب الإخوان المسلمين لا تعد.

1 - خطف الثورة والقفز ببراعة إلى الحكم والتفرد به.

2 - الاصطدام بالقضاء.

3 - محاكمة رجال العهد السابق وبعض ضباط الشرطة بتهم لم تثبت صحتها أمام المحاكم.

4 - سلق الدستور واتخاذ قرارات دستورية وإدارية ثم الرجوع عنها.

5 - إجراء انتخابات قبل وضع دستور نهائي للبلاد.

6 - اتباع سياسة عربية وخارجية مذبذبة بين الغرب والشرق وبين العواصم العربية وفي العلاقات مع إسرائيل.

7 - تغيير الحكومات والوزراء بسبب وبلا سبب.

8 - اتباع نهج إسلاموي بل وطائفي أخاف المصريين الأقباط كما أثار الليبراليين الوطنيين والقوميين بالإضافة إلى من أطلقوا عليهم وصف «الفلول» وملاحقة مرشحهم (شفيق 49 في المائة من أصوات الناخبين). ولم يدركوا أن هؤلاء الغاضبين والخائفين والمهددين سيلتقون يوما في الميادين والشوارع ليشكلوا «مليونية» تنادي بسقوطهم.

9 - إهمال القضايا الاقتصادية والاجتماعية والوقوف على باب صندوق النقد الدولي وبعض الدول العربية طلبا للقروض والمساعدات.

10 - «تطفيش» السياح الأجانب بشكل أو بآخر مع العلم بأن ثلث دخل مصر يوفره القطاع السياحي. وإلخ..

هل هي شخصية الرئيس مرسي الحائرة والمحيرة هي التي ارتكبت هذه الأخطاء والخطايا؟ أم أنه مكتب الإرشاد؟ أم أنه النهم إلى الحكم والاستفراد به من قبل جماعة قفزت من السجن إلى السلطة؟ أم أنها قلة الخبرة والمعرفة في أمور الإدارة والحكم؟ أم أنه ثمن «الشطارة» في التنقل بين التودد والتباعد بين العواصم العربية والغربية، تحاشيا لاتخاذ موقف صريح وواضح من القضايا والاستحقاقات الكبيرة؟

كل ذلك معا أوصل حكم الإخوان إلى ما وصل إليه، أي إلى هذه النهاية الأليمة.

ولكن، ماذا بعد؟ كل شيء يدل على أن خارطة الطريق التي أعلن عنها الفريق السيسي سوف تنفذ وأن مصر قبل عام سيكون لها دستور ورئيس وبرلمان منتخبون وحكومة تضع خططا للتنمية والاستقرار وتعيد إلى مصر مكانتها ودورها الريادي في العالم العربي. ولكن هذا لا يعني أن الإخوان المسلمين في مصر سوف يعودون إلى السجون بل سيكونون ممثلين في البرلمان وفي الحكم بالحجم الذي يقرره الشعب. كما لا يعني أن التيارات الإسلامية والجماعات والأحزاب الإسلاموية في العالم العربي سوف تنحسر. ولكن مواقف الأنظمة العربية، سواء الراسخة أم المتولدة مما سمي بالربيع العربي، سوف تلائم مواقفها وخياراتها مع الحقائق التي أبرزتها التجربة المصرية. وأن المشاريع السياسية الإسلاموية لمصير شعوب الأمة العربية والعالم الإسلامي بحاجة إلى إعادة نظر وإلى ملاءمة مع الواقع البشري ومعطيات العصر والعالم الجديدة. فبين عشرينات القرن العشرين (أيام تأسست جماعة الإخوان) والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين لم تمر ثمانون سنة بل قفزت البشرية والعلوم وحاجات ومتطلبات الإنسان ألف سنة إلى الأمام. وأن مشاركة العرب والمسلمين في مسيرة العالم الجديد وتعاون الشعوب في مقاومة الأخطار الحقيقية التي تهدد العالم هما طريق المستقبل وليس الحنين إلى الماضي المجيد ودغدغة النفوس بحلم استعادة الأندلس وإقامة الخلافة.

إن الصفحة الجديدة التي فتحتها الثورة الثانية التصحيحية في مصر قد طوت صفحة الارتجالية الاستئثارية الإخوانية، كما طوت ثورات الربيع العربي صفحة الديكتاتوريات الأمنية الاستخبارية. فلتكن الحرية والديمقراطية والتنمية هي عناوينها. ولتستعد مصر مكانتها ودورها وإشعاعه في العالم العربي.