اقتصاد إيران وحكومة «التدبير والأمل»

TT

يأمل الناخبون الإيرانيون الذين انتخبوا حكومة تحمل شعار «حكومة التدبير والأمل» أن الحكومة الجديدة بتسلمها لزمام السلطة ستخفف الضغط الاقتصادي الحالي الكبير، وأنهم سيشهدون تحسنا في أوضاعهم المعيشية.

خلال الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة، جرى التركيز على المواضيع الاقتصادية في المناقشات والمناظرات التي أقيمت بين المرشحين الثمانية، ومر ذلك من تحت عدسة مجلس الشورى. ويعود سبب هذا إلى الأوضاع الاقتصادية المريعة للبلاد خلال السنوات الأخيرة، وبصورة خاصة خلال العامين السابقين بسبب سوء إدارة حكومة السيد أحمدي نجاد وتشديد الحصار الاقتصادي والسياسي على إيران بسبب الموضوع النووي.

إن أرقام المؤشرات الرئيسة في البلاد تعكس ذلك، وتبينه بوضوح: معدل النمو الاقتصادي السلبي تقريبا 1 في المائة، معدل التضخم 5113 في المائة، نسبة البطالة 1111 في المائة، وهذا يعكس أن «الركود الاقتصادي بسبب التضخم في إيران» قد أصبح أكثر شدة، وهو ما وصل إلى أشده في العام الجاري، وحول الانتخابات إلى ساحة للحوارات الجدية حول المواضيع الاقتصادية من قبيل التضخم، غلاء المعيشة، العمل والبطالة، الإنتاج والاستثمار، توزيع الثروات والعدالة الاجتماعية، تنفيذ قانون المساعدات الحكومية الهادفة في إطار مساعدات مالية، وكذلك التأمين الاجتماعي، وكل مرشح سعى إلى المناورة حول هذا الموضوع والتكلم بصورة تمكنه من اجتذاب انتباه وأصوات الناخبين.

ورغم أن أي مرشح لم يعرض برنامجا اقتصاديا مدونا ومفصلا مبنيا على استدلال ثابت من أجل مواجهة هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولم يذكروا إلا رؤوس أقلام بصورة شفهية من أجل حل المشاكل الاقتصادية، وبصورة خاصة التضخم والبطالة، فإن السيد حسن روحاني هو من استطاع في نهاية المطاف أن يحصل على ثقة أغلبية الناخبين وتقلد مفاتيح السلطة وكرسي الرئاسة.

يجب أن أشير إلى أن ذكر أسباب كسب السيد روحاني الأصوات في المشهد السياسي المعقد في إيران يحتاج إلى مقالة كاملة، ولا يمكن حصر ذلك بسبب واحد وهو الاقتصاد، ولكن من المؤكد أن نظرة هذا المرشح وكلامه عن المسائل الاقتصادية لعبا دورا كبيرا في دفع عدد كبير من المواطنين إلى التصويت له.

إن كلام السيد روحاني حول هذا الموضوع برز بصورة كبيرة من خلال الفيلم الوثائقي الإعلاني الذي بثه من خلال شاشات التلفزيون الإيراني، وجعل الانتخابات تدور بين زاويتين، وهما المحافظة على الأوضاع الحالية وتغييرها، ودفع الناخبين الذين يرغبون في التغيير إلى التصويت له. لقد قال عن الطريقة المتبعة في الموضوع النووي: «من الجميل جدا أن يدور جهاز الطرد المركزي، ولكن بشرط أن تجري أمور البلد، ما الفائدة من دوران أجهزة الطرد المركزي في حين أن البلاد متوقفة عن الحركة؟ هل نقوم بتشغيل مصنع واحد في نتنز ونجعل المئات من المصانع تتوقف عن العمل بسبب عدم امتلاكها قطع الغيار والمواد الأولية والحصار أو تتعرض للمشاكل أو تعمل بعشرين في المائة من طاقتها الإنتاجية؟ أنا لا أقبل بهذا».

في هذه العبارة المختصرة بين بوضوح العلاقة القائمة بين الاقتصاد والسياسة، وبصورة خاصة السياسة الخارجية، وأنه يسعى إلى تغيير هذه الأوضاع وإلى تحسين ظروف الشعب المعيشية. وفي مقابلة أخرى قال عبر شاشة التلفزيون: «بالطبع تعتبر الطاقة النووية حقنا الطبيعي، كما أن لدينا مئات الحقوق الطبيعية الأخرى، من حقوق الشعب الطبيعية أن يتطور البلد، ومن حقوقه الطبيعية أن تتحسن أوضاعه المعيشية، ومن حقه الطبيعي أن يقف بوجه الحصار ويكسره، ومن حق الشعب الطبيعي أن يقيم علاقات جيدة مع العالم، ومن الحقوق الطبيعية للشعب أن ترتقي بلاده وتكرم. يجب أن ننتبه إلى الحقوق الطبيعية للبلاد ونحترمها، ومنها الطاقة النووية التي هي حق طبيعي أيضا».

إن هذا الموقف الذي اتخذه السيد روحاني حول موضوع الطاقة النووية وحول الدفاع عن الطريقة التي جرى العمل بها خلال ثماني سنوات من حكومة السيد أحمدي نجاد، حول الانتخابات إلى نوع من الاستفتاء العام. وعبر انتخاب الدكتور روحاني فمن المؤكد أننا يجب أن نشهد تغييرا كبيرا في هذا الموضوع خلال حكم الحكومة التالية.

ولكن ما هو برنامج «الحكومة الجديدة» الاقتصادي؟ حول هذا الموضوع يجب أن نشير إلى أن حكومة السيد روحاني من الناحية القانونية يجب أن تنفذ القوانين والخطط السيادية المتعلقة بهذا الأمر، مثل «خطة التنمية العشرينية» و«قانون الخطة التنموية الخامسة».

روحاني الذي يصف نفسه بأنه رجل دولة خبير وقد شارك بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تدوين وتصويب هذه الخطط والقوانين، قال في مقابلة تلفزيونية له وبوضوح: «في الحقيقة بعد عشرين عاما من النقاش بين اليمين واليسار حول ما هي الاستراتيجية، وكيف يجب أن يكون المستقبل، وما هي السياسات البعيدة الأمد، لحسن الحظ جرت دراسة هذه الخطة خلال حكومة الدولة الإصلاحية (اليسارية)، في إدارة التخطيط وفي الأقسام المختلفة، ومن ثم في مجلس تشخيص مصلحة النظام بإدارة السيد آية الله هاشمي رفسنجاني، وإن الجهود التي بذلها المجلس وبالتعاون مع الدولة أدت في النهاية إلى تشريع (خطة التنمية العشرينية)، وإن هذه الخطة مهمة جدا».

أما عن معدل النمو المتوقع، فقد قال: «حسنا كما تعلمون، فوفقا للخطة كان يجب أن يكون معدل النمو هو ثمانية في المائة، على الأقل، ويجب أن تكون هذه الثمانية في المائة مستمرة، على كل حال، خلال خطة الأعوام الخمس التي كانت الخطة الرابعة، في الحقيقة مرت أربعة أعوام وانتهت الخطة، وبدلا من النمو بنسبة ثمانية في المائة أصبح النمو أربعة ونصف في المائة، ثم إن النمو تضاءل أكثر في السنوات الأخيرة، لم يعلن حتى الآن عن معدل النمو في العام الماضي بصورة رسمية، ولكن يقال إنه سالب، لذلك فنحن الآن قد ابتعدنا عن الخطة بمسافة كبيرة، وإن الحل يكمن في أن نبدأ بنمو سريع بمعدل عال».

في كلامه عن الفقرة أربعة وأربعين من الخطة العشرينية قال روحاني: «من أجل تحقيق النمو المطلوب الذي تستهدفه الخطة لا بد من الانتباه إلى الفقرة أربعة وأربعين التي ذكرتموها. إن الفقرة أربعة وأربعين، وكما قال قائد الثورة الإسلامية هي الثورة الاقتصادية، ولكن للأسف لم تنجح هذه الثورة، كان من المقرر أن نقوم بتخصيص أقسام كبيرة من الصناعة، يجب أن لا ننسى أننا متى ما اعتمدنا على الشعب انتصرنا، ولكن في كل مرة ذكرنا فيها الشعب ومن ثم لم نعتمد عليه إما فشلنا أو نجحنا نجاحا محدودا، حسب الفقرة أربعة وأربعين جرى تحويل الكثير من الأقسام إلى أقسام خصوصية ظاهريا، وحولت إلى القطاع الخاص ظاهريا».

«ولكن الإحصائيات تبين أن 13.5 في المائة فقط جرى تحويلها إلى القطاع الخاص، والباقي أسند إلى الدوائر شبه حكومية، إلى الدوائر الشبيهة بالحكومية».

كذلك قال رئيس الجمهورية المنتخب عن أسهم العدالة: «عن قسم من ذلك تحول إلى أسهم العدالة، نعم عن أسهم العدالة تم بيعها للناس، ولكن يجب ألا ننسى أن الفقرة أربعة وأربعين تنص على أن الإدارة أيضا يجب أن تنقل إلى القطاع الخاص لا فقط الملكية، أي أن الفقرة لا تذكر الملكية حصرا، بل الإدارة أيضا، لذلك يجب أن نعمل بجد من أجل أن نفعل المادة أربعة وأربعين. حسب رأيي فإن الفقرة أربعة وأربعين كانت معطلة حتى الآن، ولم يتم الاهتمام بالخطة كثيرا، يجب أن نعود إلى الخطط السيادية إلى الخطة العشرينية، وسياسات الفقرة أربعة وأربعين الشاملة، أعتقد أننا بتنفيذ السياسة الشاملة والسياسة البعيدة الأمد سنشهد جذريا في البلاد».

إن الملاحظة الأخيرة التي يمكن أن نبديها حول البرنامج الاقتصادي لحكومة السيد روحاني هي أنه خلال الأعوام الثمانية الماضية كان يشغل منصب رئيس الدراسات الاستراتيجية (المرتبط بمجلس تشخيص مصلحة النظام)، نشر بالتعاون مع عدد من خبراء الاقتصاد والمتخصصين دراسة حول المسائل الاقتصادية في البلاد تحت عنوان «الأمن الوطني والنظام الاقتصادي في إيران».

في هذا الكتاب تمت دراسة جميع المواضيع والمشاكل التي يعاني منها «اقتصاد إيران» بدقة، ومن المؤكد أن هذا الكتاب من الممكن أن يكون قاعدة قوية للتخطيط الاقتصادي في «الحكومة الجديدة».

في مقدمة الطبعة الثالثة لهذا الكتاب، ذكر الدكتور روحاني ما يلي: «إن تغيير النموذج هو شرط لازم، ولكنه غير كاف، إلى جانب هذا التغيير نحن بحاجة إلى تفكير عميق في الأبعاد المختلفة للصعيد الوطني، الإقليمي والدولي. إن الاطلاع يمكن أن يكون على مستويات متعددة بالطبع، ولكن ما نحن بحاجة له من أجل طرح نظرية هو الابتعاد عن القناعات المسبقة والقبول بعدة أعداد وأرقام إحصائية، يجب أن نشق طريقنا في الدراسة بنظرة نقد بناء، وأن نتمكن من المجالات التي تمثل الظواهر اللاعب الأصلي فيها».

والآن الأمر أمام حكم التاريخ، لقد انتقل روحاني من منظر إلى منصب إجرائي وهو رئاسة القوة التنفيذية، لكي يمتحن قدرته في مجال العمل. «حكومة روحاني واقتصاد إيران» ارتبط بعضهما مع بعض ولمدة السنوات الأربع المقبلة، وإن الناخبين الذين وثقوا بشعار «حكومة التدبير والأمل» يأملون أن «الحكومة الجديدة» بتقلدها مفاتيح السلطة ستخلصهم من الأوضاع الاقتصادية المريعة وتحسن من ظروفهم المعيشية.

* مستشار اقتصادي للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي وبرلماني إصلاحي في الفترة بين عامي 2000 و2004