السيسي «رجل» عسكري

TT

ارتبطت مفردة حكم العسكر بنماذج كريهة في العالم العربي، فهي ارتبطت بالبطش والطغيان والاستبداد، وأفرزت نماذج مزرية أذلت شعوبها وأهانت دولها بشكل أقرب للخيال. فالذاكرة السورية تدرك تماما مجموعة الانقلابات العسكرية التي بدأت مع حسني الزعيم، وتوالت بعده انقلابات متكررة حتى جيء بحافظ الأسد من الجيش، ودخلت سوريا في نفق شديد السواد حتى اليوم مع ابنه، واليوم تحول الجيش إلى آلة وحشية ولذلك ليس بغريب أن نراه يقتل بالآلاف وبأبشع الوسائل، ومع ذلك يستمر في استخدام شعار «حماة الديار».

العراق كان نصيبه أيضا مغامرات مع حكم العسكر؛ بدءا من عبد الكريم قاسم الذي لم يستمر طويلا، ولكنه فتح المجال لآخرين أيضا.

وفي ليبيا كان هناك معمر القذافي الذي كان حكمه بمثابة سيرك طويل وليل أسود.

وعانى السودان فترات في حكم جعفر النميري. وكان «الرجل الذهبي» العظيم في تاريخ السودان عسكريا نبيلا هو عبد الرحمن سوار الذهب الذي كان قد انقلب على حكم جعفر النميري، وسلم السلطة كما وعد تماما بعد سنة.

وهناك حكم العسكر في الجزائر ولكن من وراء الكواليس.

وفي اليمن كانت نماذج الحكم من السلال إلى إبراهيم الحمدي إلى الغشمي وصولا لعلي عبد الله صالح، وكلها كرست الاستبداد.

وطبعا هناك النموذج المصري المهم؛ فمنذ وصول «العسكر» للحكم في مصر بعد انقلاب 1952، عرفت مصر حكم محمد نجيب الرجل الهادئ الوقور الذي عزله عبد الناصر فجأة ليستفرد بالسلطة، لتذهب مصر في طريق الاستبداد والحكم بالنار والحديد والمعتقلات. وجاء السادات الذي عرفت مصر معه نماذج من العسكر كأحمد إسماعيل وعبد الغني الجمسي وحسني مبارك وصولا إلى محمد حسين طنطاوي وسامي عنان، وكل من هؤلاء ترك بصمته بخيرها وشرها.

وللمصريين حالة خاصة من العشق مع مؤسستهم العسكرية، يوقرونها ويثقون فيها. وجاء «نجم جديد» من هذه المؤسسة سيسجل اسمه في ذاكرة التاريخ السياسي المصري هو الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، الذي قاد حركة شبه أسطورية لدعم قرار جماهير الشعب المصري العارمة التي احتشدت في كافة ميادين وشوارع مصر تطالب برحيل الرئيس محمد مرسي الذي فقد شرعيته في أعين المصريين. وطبق السيسي خطة محكمة جدا لحماية البلاد؛ بتطويق الحدود، والقبض على العصابات المسلحة التي كانت تستعد لتنفيذ خطط تخريبية في أكثر من 26 موقعا بمصر، وأمّن مبنى التلفزيون والمواقع الأساسية بالقاهرة والمحافظات، وتباحث مع كافة القوى السياسية والدستوريين قبل إصدار بيانه، ليظهر السيسي ليلقي البيان بشكل يعكس وجه مصر الحقيقي، وهو محاط برموز من مصر، شيخ الأزهر وبابا الكنيسة ورموز من المجتمع بكباره وشبابه؛ ليوصل للكل أن هذا ليس بانقلاب ولكن إعادة الثورة لأصحابها حتى تكمل وتصحح بطلب من قام بها بعد أن خطفت من غيرهم. وجرى أداء القسم من قبل رئيس مؤقت لمصر بشكل حضاري ولائق، وألقيت كلمات مختصرة ولكنها بالغة الدلالة والوطنية. السيسي رجل في لحظة أوقع الله حبه في قلوب المصريين، نقلهم لبر شرعية حقيقية تفتح باباً من الأمل بعد عبث ومراهقة وغمة. السيسي رجل سيدخل التاريخ بعد أن دخل القلوب.