النهاية والبداية

TT

قلت أكثر من مرة إن الأحزاب الإسلاموية ستفشل وتسقط. بيد أنني لم أتوقع وقوع ذلك بهذه السرعة في مصر. فلا بد أن نحيي أولئك الشباب الذين عسكروا في ساحة التحرير وماتوا من أجل الحرية، وقادة الجيش النبيل في حماية كرامة مصر وحرياتها ونهوضها. برنامج الإسلام السياسي الداعي لإسلامية الدستور في دول متعددة الطوائف والأديان لا يمكن من حل مشكلات البلد بالتعامل مع معطيات ومتطلبات هذا العصر. إنه برنامج يقوم على ظلاميات وهلاميات وخزعبلات تحرم الشعب من التفكير الرصين والبناء. وهو يؤدي إلى تهميش الأقليات الطائفية، وبالتالي إلى سعيها للانسلاخ (السودان) والهجرة (العراق) وإثارة القلاقل (تركيا). وهو يؤدي أيضا إلى تقزيم نصف الشعب (النساء). يتميز أبناء الأقليات في كل العالم بمواهب ومؤهلات وقدرات خاصة. تهميشهم يحرم البلد من قدراتهم وحماسهم في عملية التنمية والنهوض.

مصر مؤشر للبلدان العربية والإسلامية. فشل الإخوان فيها سيجر كل حركات الإسلام السياسي للفشل. ما علينا غير أن ننتظر. ومن يستطيع فلا يضيع الله أجره في إسقاطها. إنها كابوس جاثم على صدر المسلمين.

يسعى النظام الجديد إلى سن دستور جديد. لا بد من غسل الدستور الجديد من كل الألوان التي تثير الحزازات الطائفية وتهمش غير المسلمين وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية. بنت أميركا وتركيا وكل الدول الناجحة دساتيرها وقوانينها على الأسس العقلانية المحضة، وهو من أسباب نجاحها واســـــــتقرارها.

المؤسف أن هذا الفشل الذي لحق بالإسلامويين والإسلام السياسي أصاب أيضا العملية الديمقراطية برمتها. فمن سلمهم مقادير البلاد غير أصوات الناخبين في عملية اقتراع سليمة؟ كنا ننادي بالديمقراطية ونرجو الخلاص بظلها فإذا بها تتحول إلى لعنة على كل هذه الشعوب غير المؤهلة لها. فما العمل؟ هل نرجع للحكم الفردي وسلطة العساكر؟

يتضمن المنهج الآن إجراء انتخابات جديدة. القانون الحالي سيعطي نفس النتائج التي أوصلت مرسي للحكم وجعلته يعتد وبحق أن الشعب قد انتخبه. لا بد من تغيير أنظمة التصويت بحيث تحصر هذا الحق بالمتعلمين (كما كان الحال في أوروبا وأميركا حتى عهد قريب). الأحزاب الرجعية والإسلاموية تعترض على أي إشارة لهذا التحديد لأنها تعتمد أساسا على أصوات الأميين وغير المتعلمين. لا بد من نقل السلطة ومستقبل البلد إلى أيد واعية ومؤهلة ومدججة بمعارف عصرنا هذا. ما أقوله قرار يتطلب الشجاعة لتحدي الرأي العام المحلي والعالمي. للغربيين مستواهم ولهم أن يعملوا بمقتضاه ويؤمنوا بمعطياته، ولنا مستوانا وظروفنا وعلينا أن نتحرك ونخطط ونبني بموجبها. وستكون خطوة مصر في هذا الاتجاه العملي السليم مؤشرا ناجعا لكل البلدان التي تعاني شعوبها من الأمية والجهالة.

يا مصر يا أم الدنيا، هاتي لنا مولودا مليحا سليما لا كسيحا دميما. والله معك!