دروس مستفادة من الانتخابات الإيرانية

TT

حصل سعيد جليلي، المرشح المتشدد وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين منذ عام 2002، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة على نحو أربعة ملايين صوت، أي ما يعادل 11.4 في المائة من إجمالي عدد الأصوات. وما أثار الدهشة هو تفوق الرئيس المنتخب حسن روحاني على جليلي بفارق تجاوز 15 في المائة في قُم قلعة المحافظين الإيرانيين وأضخم مركز للحوزة العلمية الشيعية في العالم. دفعت هذه النتائج عددا من المحللين إلى التأكيد على أن النسبة التي حصل عليها جليلي دلالة على تراجع شعبية المتشددين. لكن هذه الحجة يعتريها القصور لأنه لا يوجد أساس للمقارنة من الانتخابات السابقة للتوصل إلى مثل هذه النتيجة، ناهيك عن أن السنوات الأربع والعشرين السابقة لم تشهد خوض مرشح متشدد قوي على المنصة المحافظة المتشددة، بما في ذلك أحمدي نجاد، الذي دافع في عام 2005 عن العدالة الاقتصادية، قاد النضال ضد الفساد «وحكم النخب السياسية والاقتصادية والاحتكار». وكل الذين صوتوا لأحمدي نجاد في جولة الإعادة، التي تنافس فيها ضد هاشمي رفسنجاني، أحد أفراد الحرس القديم، جاءوا من جميع مناحي الحياة - وليس فقط المتشددين. وخاض أحمدي نجاد حملة شعبية من أجل تحقيق أقصى قدر من الأصوات.

خلال انتخابات عام 2005، دعم المتشددون أحمدي نجاد بشكل غير علني. لكنهم أعلنوا خلال انتخابات 2009 المتنازع عليها عن دعمهم له بسبب موقفه المناهض للولايات المتحدة ومعاداته القوية لإسرائيل، وكذلك سياساته المتعنتة وغير القابلة للتفاوض بشأن القضية النووية خلال ولايته الأولى. لكن على الرغم من ذلك، كانت وجهات نظره القومية المفرطة تلقى معارضة من جانب المحافظين المتشددين.

وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التزم ثلاثة من المرشحين الإصلاحيين لحملتهم (حتى لو كان مريحا) نهجا براغماتيا يتشابه بشكل كبير مع نهج الرئيس المنتخب حسن روحاني أكثر منه إلى المرشحين المتشددين، وقد استغلوا جميعا موضوع إصلاح الاقتصاد شعارا رئيسا لحملتهم. فقد هاجم ولايتي، أحد المرشحين الإصلاحيين، نهج جليلي تجاه القضية النووية ومصداقيته أكثر من روحاني المعتدل.

الخلاصة أن سعيد جليلي برز كأول مرشح يمثل الآيديولوجيا المتشددة، منذ انتخاب آية الله خامنئي، المرشد الأعلى، رئيسا في عام 1989. وقد كشفت نتائج هذه الانتخابات عن معلومة مهمة أن هذه المدرسة الفكرية تحظى بدعم من ما يقرب من 4 ملايين إيراني. لكن القول بأن هذا مؤشر على تراجع المتشددين أمر لا يمكن إثباته.

المجموعة الثانية بين المحللين وصناع السياسة على حد سواء يعتقدون أن انتخاب روحاني لن يشكل أي تأثير على سياسة إيران الخارجية، لأنهم يرون أن المرشد الأعلى في إيران هو صانع القرار في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.

على الرغم من ذلك، اتخذ روحاني موقفا واضحا تجاه هذه الفكرة في إحدى مقابلاته أثناء الحملة الانتخابية. فعندما سأله أحد المراسلين أن روحاني كرئيس، لن يكون في وضع يسمح له بإحداث أي تغييرات على السياسة الخارجية الإيرانية، أجاب روحاني بالقول «أنت تقول إن الرئيس وحكومته ليس لهم أي رأي في السياسة الخارجية، وإن المرشد الأعلى فقط هو من يملك ذلك، لكن الأمر ليس من هذا القبيل».

ثم طلب روحاني من المراسل أن يشرح له سبب تنوع السياسات الخارجية خلال رئاستي رفسنجاني (الوسطي الحذر)، وخاتمي (الإصلاحي، المعتدل) وأحمدي نجاد (العنيد والعدواني)، إذا كانوا لا يستطيعون التأثير على السياسة الخارجية الإيرانية. وقال «لم يتبدل المرشد خلال رئاسة الرؤساء الثلاثة السابقين. ومن ثم إن لم يكن الرؤساء مختصين بذلك، فكيف يمكن للمرء أن يفسر اختلاف السياسات الخارجية من رئيس إلى آخر؟

هنا تكمن نقطة حيوية لفهم السياسة الخارجية الإيرانية. والحقيقة التي لا جدال فيها أن المرشد الأعلى هو الشخصية الأقوى في السياسة الإيرانية، ولا يعني ذلك انعدام تأثير القوى المختلفة التي تعمل في نظام معقد. وبعبارة أخرى، فإن المرشد الأعلى يحتفظ بالكلمة الأخيرة في القرارات الرئيسة في السياسة الخارجية لكن عليه أن يوازن بشكل دائم بين القوى المتنافسة.

كانت الانتخابات الأخيرة أيضا بمثابة استفتاء بين نهجين بشأن القضية النووية الإيرانية والسياسة الخارجية الإيرانية. ونتيجة المصاعب الاقتصادية التي تسببت فيها العقوبات، جزئيا على الأقل، برزت السياسة الخارجية والقضية النووية في قلب المناظرات الرئاسية الإيرانية. فرفض جليلي نهج روحاني الذي يهدف إلى «بناء الثقة» «والتفاعل البناء» خلال حملته الانتخابية ودعا بدلا من ذلك إلى بناء سياسة خارجية «تهديدية معرقلة». مما لا شك فيه، ستكون العلاقات المتضاربة بين إيران والولايات المتحدة في طليعة المشكلات التي يجب على روحاني معالجتها. وقد أصدر البيت الأبيض بيان تهنئة للشعب الإيراني على شجاعتهم وعرض إجراء محادثات مباشرة مع إيران. لكن الكونغرس، ظل متمسكا بالنهج المتعنت الذي يتجاهل صوت الشعب الإيراني الذي طالب بتغيير السياستين الداخلية والخارجية.

فبعد الثامن عشر من يونيو (حزيران) وجه سؤال إلى إليانا روس ليتينن، رئيسة اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مجلس النواب، عما إذا كانت مقتنعة بمشورة الخبراء بمنح روحاني بعض الوقت لتغيير سياسة إيران الخارجية. فأجابت: «كلا، على الإطلاق. نحن بحاجة إلى مواصلة سياسة العقوبات ومساعدة حلفائنا على معرفة الحقيقة بأن إيران النووية سوف تدمر الولايات المتحدة وتدمر إسرائيل».

وفي تطور آخر، وقع جميع أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب رسالة إلى الرئيس أوباما في الأول من يوليو (تموز) يطلبون منه زيادة الضغط على إيران. ونشرت نسخة مترجمة منه على البريد الإلكتروني عبر إيران. وذهل الناس من حقيقة أن الكونغرس لا يزال غير راغب في منح أي مهلة جديدة لروحاني لبناء أسس جادة، وتحركات تصالحية. خلال عمل روحاني الذي امتد على مدى ستة عشر عاما أمينا لمجلس الأمن الوطني، أظهر مهارات متميزة في بناء الجسور بين إيران وجيرانها والغرب. سيكون وضع حجر الأساس لإجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة يمثل مهمة صعبة، لكن هذا التغيير في القيادة الإيرانية قد يمثل فرصة أخيرة لكبح جماح الصراع المحفوف بالمخاطر بين إيران والولايات المتحدة قبل أن يفلت خارج السيطرة.

إن نهج الكونغرس لن يجبر إيران على الإذعان للضغوط، لكنه سيفتح الباب أمام المتشددين للتشكيك في صدق الولايات المتحدة، لتبرير موقفهم، وعلى الأرجح سحق فرصة روحاني ليكون بمثابة باني الجسور بين الدولتين. وما لم يبن جسر روحاني بين الطريق الذي يسلكه والطريق المؤدي مباشرة إلى البيت الأبيض، لن يكون هناك حل سلمي دبلوماسي.

* محلل سياسي وكاتب صحافي متخصص في الشؤون الداخلية الإيرانية والشؤون الخارجية ومقيم بكندا