لا ترسلوا مصر معه

TT

في الأزمات أتابع صحف مصر، لا لأعرف أحوالها كما في الأيام العادية، وإنما لأعرف أحوال الزملاء الصحافيين: كيف سيغطون الأحداث وأين سيقفون من العازل والمعزول وإلى متى سوف يبقون في مناصبهم بعد ذلك.

في السنوات الثلاث الماضية تغير طاقم الإدارة في «الأهرام» ثلاث مرات. ولكن بقي كبار الكتَّاب والمحررين في أماكنهم. ولعبت «الأهرام» لعبة الموضوعية بمهارة فائقة. لم تبالغ في مطاردة «الفلول» ولا في استرضاء القادمين. لكنها أنجزت ذلك بصعوبة واضحة. ويجب الإقرار بأن الصحافة المصرية بشكل عام أعطت نفسها حرية واسعة. الخاصة والحكومية. كما يجب الإقرار أن حكومة مرسي لم تعتدِ على أنهار الصور الكاريكاتيرية أو برامج إبراهيم عيسى أو مقالات علاء الأسواني الذي انتقل من «الشروق» إلى «المصري اليوم».

تصرف عدد كبير جدا من الزملاء الكتَّاب وكأن الإخوان لم يصلوا إلى الحكم. أو كأنهم لم يسمعوا بأول تحذير أطلقه الدكتور مرسي: الرئيس لا يطعن عليه! وأضيف إلى كل ذلك برنامج باسم يوسف الذي ربح على الرئيس في معركة البناء والبقاء. في سوريا عُزلت رئيسة تحرير «تشرين» أوائل الأحداث لأنها قالت إنه يحق للناس في درعا (مدينتها) أن تعبِّر عن مطالبها. في العراق لم تكن هناك في الأساس صحف لكي تقول، أو لا تقول.

تحولت مصر في الآونة الأخيرة إلى منبر. قاد شبان مثل عمرو أديب حملة في وجه رئيس لا يؤمن بحرية القول. وقد تغاضى مرسي وحزبه إلى حد بعيد عن الأصوات التي ارتفعت في كل مكان تسخر من قرارات بدائية أو تخبط في إدارة الدولة.

ولعل ألطف ما حدث كان الرسوم الكاريكاتيرية التي لعلعت ريشاتها تبعث الضحك في أكثر الساعات كمدا ونكدا. وكان هناك رسامون أخفياء أيضا هم المصريون الذين انفجروا يعلقون في بريد القراء وينبشون أمثال مصر القديمة، ومنها «المركب اللي فيها رئيسين تغرق»، إشارة إلى المرسي والمرشد.

لا يليق بمصر النكد والكمد والعياط. ولا أقصد عائلة الرئيس المعزول، التي حذفها من الاسم الثلاثي. وهذا أمر جمالي يشهد له. وقد توفي الكاتب محمد الحيوان وهو مُصِر على أن أهم ما يثير الاهتمام في مقالاته هو الاسم: ماذا كتب لنا الحيوان اليوم وماذا يقول الحيوان غدا. وكان يطلب من الفنادق أن تنادي على اسمه، فيلتفت الجميع غير مصدقين أن الحيوان اسم إنسان.

أيها الإخوان الأعزاء. مرسي لن يرجع، لا ترسلوا مصر معه.