خدعوك فقالوا «حياد إعلامي»!!

TT

تعاطفت مع المذيعين الذين كانوا يبكون فرحا بعد عزل مرسي عن حكم البلاد. مقدمو تلك البرامج في القنوات الخاصة كانوا في خصومة مباشرة مع النظام الحاكم، كان رئيس الجمهورية المعزول يعتبر أن معركته الحقيقية معهم «ويسعى حثيثا لتكميم أفواههم»؛ يريد أن «يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به»، فكانت المفاجأة هي أنهم «فطروا» به؛ «ترويقة» بالشامي.

كانت هناك خطة موضوعة قبل ساعات من 30 يونيو (حزيران) لتقديمهم للمحاكمة بتهمة تكدير السلم العام، وبعدها يبدأ «تسويد» وإغلاق تلك القنوات، ولهذا، وفي كل خطابات مرسي، كان هتاف مريديه يعلو منذ اعتلائه الكرسي «الشعب يريد تطهير الإعلام»، التطهير في عُرف السلطة الحاكمة يعني دائما تكميم الأصوات المعارضة.

بين الحين والآخر كان يتم حصار مدينة الإعلام بعدد من الذين أطلقوا على أنفسهم «حازمون»؛ أتباع «حازم أبو إسماعيل»، وهكذا صار هؤلاء المذيعون أعداء للسلطة، بينما بقاء هذه السلطة أصبح يشكل خطورة شخصية عليهم.

يجب أن نرصد أنه منذ ثورات الربيع العربي سقط تماما الحياد الإعلامي.. الحياد كان قبلها آيلا للسقوط.

قبل الربيع، كان لدينا على سبيل المثال في مصر إعلام رسمي يراهن فقط على النظام، وأقصى ما هو مسموح انتقاد رئيس الوزراء للتنفيس عن الغضب المكبوت، ولكن مقام الرئاسة محفوظ، القنوات الخاصة كانت أيضا تحت قبضة الدولة مع اختلاف الدرجة، مع بزوغ ثورة 25 يناير تحرك المؤشر وزادت مساحة الحرية وكانت القنوات الخاصة تحاول أن تمسك العصا من المنتصف؛ بين نبض الشارع وقبضة الدولة، وجاءت القنوات العربية والأجنبية بمكاتبها في القاهرة، مثل «الجزيرة» و«العربية» و«الحرة» و«بي بي سي» وغيرها، لتتوجه أكثر ناحية نبض الشارع، وتمت مطاردة ومداهمة مكاتب أكثر من قناة، وكانت «الجزيرة» مثلا كثيرا ما تتعرض للإغلاق وإلغاء ترددها، فتنتقل إلى تردد آخر.

هل لعبت الفضائيات دورا في إشعال الثورة؟ وهل ما حدث في مصر يوم 30 يونيو وقبلها بعامين ونصف العام (في 25 يناير) من صنع الكاميرات؟!

الفضائيات من المستحيل أن تشعل الثورات، ولكنها تمنح الأمل لمن يريدون التغيير، وكأنها مثل غاز «ثاني أكسيد المنغنيز» لا يشتعل ولكنه يساعد على الاشتعال.. كان لمرسي أيضا عدد من القنوات تقف معه وتبرر أخطاءه، فإذا كانت مثلا «سي بي سي» و«أون تي في» و«دريم» وغيرها تترصد له، فعلى المقابل «مصر 25» و«الناس» و«الحافظ» وغيرها تدافع عنه ظالما كان أم مظلوما، وعلى الرغم من ذلك ثارت عليه الجماهير، لأنها لم تجد في كشف الحساب تلك الإنجازات التي وعد بها.. قناعات الدكتور مرسي أن أصابع داخلية وخارجية أسقطته، ولم يستشعر ولا مرة واحدة أن الذي لعب دور البطولة في إسقاط مرسي هو مرسي، المواقع تغيرت في لحظات، كانت القنوات الخاصة الرافضة لمرسي قبل 3 يوليو (تموز) تقف في جانب المعارضة ضد النظام، بعد هذا التاريخ صارت هي النظام بينما النظام السابق تحول إلى معارضة.. قامت الدولة كرد فعل احترازي بالتضييق على القنوات الدينية المعارضة وسوّدت شاشتها، وقدمت بعض العاملين فيها للتحقيق.. السلطة سواء كانت إسلامية أم ليبرالية لا ترتاح للإعلام، لم تتغير نظرة الحاكم للفضائيات، حتى إن الفريق أول عبد الفتاح السيسي في كلمته التي ألقاها بعد نفاد مدة الـ48 ساعة، لم ينسَ أن يذكر أنه بصدد إعداد «ميثاق شرف إعلامي»، وهو المشروع نفسه، الذي كان مبارك وبعده مرسي يلوحان دائما به، الحكمة القديمة تقول المستحيلات ثلاثة (الغول والعنقاء والصديق الوفي)، صارت الآن أربعة بعد إضافة الحياد الإعلامي!