حالة إنكار لمؤيدي الإخوان

TT

أفرق كثيرا بين (الفانز الإخواني) مشجعي الإخوان، والكوادر القيادية الإخوانية في الخليج، فالغالبية العظمى ممن يحسبون على الإخوان ما هم سوى مشجعي ومعجبي الجماعة الذين يجلسون في مقاعد المتفرجين في ملاعب الإخوان.

ولن أتحدث عن كوادر الحزب فلهؤلاء حديث آخر، إنما حديثي لمشجعي الإخوان هذه الأيام؛ فهم يعيشون حالة إنكار مرضي. يرفضون تصديق أن أحد أسباب سقوط الإخوان كحزب حاكم هو سوء الإدارة الحكومية الفاضح والصارخ الذي أقر به محمد مرسي نفسه، والذي أدهش حتى حلفاءهم الأميركان وأربك أوراقهم لسرعة تدهور الأوضاع الاقتصادية والتنموية، وعجز الحزب عن تحقيق أدنى درجات التعايش والتعددية مع القوى السياسية بقبول تشكيلهم على الأقل حكومة ائتلافية لا تحيد نصف الشعب المصري الذي صوت لأحمد شفيق.

تتابع الأخطاء الاستراتيجية الجسيمة التي ارتكبوها خلال عام واحد فقط جعلتهم يصطدمون منذ البداية بالمؤسسة العسكرية والمؤسسة القضائية ويستحوذون على المؤسسة التشريعية والتنفيذية.

تلك كانت مؤشرات قوية على انعدام الخبرة ومؤشرات على حدوث انهيار في الأداء سيؤدي حتما لثورة مضادة، ولكن عجز الإخوان عن قراءتها قراءة سياسية حصيفة، رغم نصائح أردوغان الذي حذرتهم مسبقا من هذه الأخطاء تحديدا، لكنهم لم يدركوا أن قيادة جماعة تقبل بكل أخطائك، مسألة تختلف تماما عن قيادة شعب نصفه لم ينتخبك.

سوء الأداء شكل صدمة لا يقبل إخوان الخليج قراءة مؤشراته، فهم لا يريدون أن يسمعوا كم بلغ سعر صرف الجنية المصري ولا سعر (أنبوبة البوتاغاز) ولا أرقام البطالة ولا خلو محطات البنزين ولا انقطاع الكهرباء ولا موت السياحة ولا.. ولا. مما انحدر بالوضع المالي المصري إلى درجة التهديد بالإفلاس.. لذلك هم يرون أن الملايين الذين خرجوا للشارع والذين قدر عددهم بسبعة عشر مليونا على أقل تقدير وبعضهم قدرها بثلاثين بمنظر مهيب غطى جميع محافظات مصر ونقلته بعض المحطات من صور علوية عن طريق الهليكوبتر وشهد العالم بأنها أكبر تظاهرة في تاريخ البشرية، حالة الإنكار لهؤلاء المؤيدين جعلتهم يتصورون أن هؤلاء الملايين ما هم إلا فلول. وحالة الإنكار للدعم الأميركي لإخوان مصر جعلتهم يصمون آذانهم عن زيارة السفيرة الأميركية لخيرت الشاطر، ويغضون الطرف عن تهديد أوباما للجيش المصري، وتصريحاتهم التحذيرية للمتظاهرين وتسمية 30 يونيو (حزيران) بأنه حراك غير ديمقراطي، كل تلك الشواهد التي يراها الأعمى غض (الفانز) الخليجي الطرف عنها لينفي تهمة التحالف الإخواني الأميركي.

لم يسأل (الفانز) ما الذي يجمع بين جماعة الولي الفقيه في البحرين وجماعة إخوان مصر حتى تتفق إحدى القنوات على دعمهما بنفس الدرجة وبذات الأسلوب الذي فتح الباب على مصراعيه لهما وخصص لهما ساعات البث، في حين منع ظهور الأطراف الأخرى، سؤال: ما الجامع بين الاثنين؟ ما القاسم المشترك بين الاثنين لتتخذ القناة هذا الموقف الموحد منهما، وكلنا نعرف دورها فيما يسمى بالربيع العربي؟!!

حالة الإنكار طالت الملف الإخواني الإيراني فحين تسأل أيا من (الفانز) تعليقه على استقبال مرسي لعبد اللهيان لتدشين أول رحلة سياحية بين مصر وإيران وهو ليس وزيرا للسياحة بل هو مساعد وزير الخارجية وممسك لملف النظام السوري وهدد البحرين تهديدا مباشرا، تجدهم يتلعثمون. استقبال مرسي لنجاد، وموقفه من المأساة السورية، وتطابق موقفه مع روسيا وكلها أمور يحاول (الفانز) تبريرها والبحث عن مسوغات لها بشكل يدعو للشفقة والرثاء.

وأيضا موقف الجماعة من إسرائيل، رسالته لبيريس التي بدأها الرئيس مرسي بصديقي العزيز. كلها صور صادمة صارخة فاقعة لتناقض الخطاب السابق للحكم عن السلوك اللاحق للحكم، ومع ذلك وجد (الفانز) ألف مبرر ومبرر لها.

هذا السلوك المرضي الذي يرفض أن يرى الشمس في رابعة النهار ويراها في ميدان رابعة العدوية هو من أجل الحفاظ على سلامة وعيهم وذاكرتهم وحماسهم وحبهم ودينهم وتاريخ ذكرياتهم لا حفاظا على صورة الإخوان كتنظيم.

فحالة الإنكار كما وصفها علماء النفس عبارة عن درع واقية يبنيه المريض حول عقله يحجب عنه الواقع حتى لا يصدم في رجاحة عقله. حالة الإنكار أداة حماية ذاتية يضعها المنكر للواقع فوق عقله حتى لا يتحطم بفعل وقوع صخرة الواقع المدوية عليه.