الخيارات المتاحة أمام الرئيس روحاني في الملف النووي

TT

ستكون هناك فرصة أكبر لتحقيق انفراجة دبلوماسية في الجمود بشأن البرنامج النووي الإيراني خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي طالب القادة الإيرانيين، في خطاب حالة الاتحاد لعام 2013، بـ«الاعتراف بأن هذا هو الوقت المناسب للتوصل إلى حل دبلوماسي». وعلاوة على ذلك، يأتي فوز كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين حسن روحاني بانتخابات الرئاسة الإيرانية الشهر الماضي ليقدم آفاقا جديدة للمفاوضات.

ومع ذلك، ثمة خطر يتمثل في أنه إذا ما استمرت السياسة الأميركية والغربية المعتمدة على الضغط على طهران، فإننا بذلك قد نتجه بصورة تدريجية إلى المواجهة العسكرية. ويحق لإيران، كدولة ذات سيادة وموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، تخصيب اليورانيوم. وأعتقد أنه يمكن التوصل لاتفاق فوري في حال اعتراف واشنطن بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، ولكن من دون هذا الاعتراف، لن يكون هناك احتمال للوصول لأي اتفاق.

ويتركز المأزق النووي الإيراني على الحقوق المشروعة لإيران في تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وليس في تصنيع قنبلة نووية. وقد وقعت إيران على كل اتفاقيات منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، مثل اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية عام 1997، واتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية عام 1996، ومعاهدة حظر الانتشار النووي عام 1970. وتنطوي مثل هذه الاتفاقيات على حقوق والتزامات لجميع الموقعين عليها. ومع ذلك، خالف الغرب القانون الدولي واعتمد على سياسة قسرية يجري من خلالها الضغط على إيران فيما يتعلق بالالتزامات وحرمانها من الحقوق.

وقد استخدمت معاهدة حظر الانتشار النووي من قِبل الغرب أداة للضغط على إيران، ولاتهام طهران بأنها تسعى لامتلاك أسلحة نووية. وتعد مثل هذه الأساليب بمثابة وسيلة لتبرير التدابير العقابية والعمل العسكري في نهاية المطاف. ويجري استغلال معاهدة حظر الانتشار النووي على نحو فعال كذريعة لإنكار الحقوق المشروعة لإيران وحشد المجتمع الدولي في تأييد العقوبات الصارمة وتنفيذها، سواء أحادية الجانب أو المتعددة الأطراف، على إيران. ونتيجة لذلك، يجري تضليل إيران على نحو متزايد من خلال الاتفاقيات الدولية التي تلغي حقوقها وتتوقع منها تعهدا كاملا بالوفاء بالالتزامات، وهو ما جعل بعض السياسيين في إيران ينظرون إلى معاهدة حظر الانتشار النووي على أنها تهديد للأمن القومي، حيث تستخدم كأداة من قبل دعاة الحرب في الولايات المتحدة للضغط من أجل اتخاذ تدابير لتحقيق هدفهم في نهاية المطاف، وهو تغيير النظام.

وستتمثل الأولوية الأولى لروحانى في إدارة الأزمة الاقتصادية، حيث تمر البلاد بمحنة اقتصادية كبيرة بسبب العقوبات التي لم يسبق لها مثيل على إيران. وثمة خيارات مختلفة أمام الإدارة الجديدة لمعالجة المأزق النووي، وبالتالي التخفيف من آثار العقوبات على البلاد، ولعل الخيار الأفضل هو السعي لحل تلك المشكلة بالطرق السلمية. ويجب أن ندرك أنه من غير الواقعي تحمل هذا الوابل من العقوبات والإجراءات العقابية الأخرى، وأنه من المستحيل التخلي عن حقوق إيران النووية، بغض النظر عمن يحكم إيران.

وفي ظل عدم وجود حل يحفظ ماء وجه إيران، فأعتقد أن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي سيكون خيارا جيدا بالنسبة لطهران، حيث يمكن لإيران أن تستبدل بالمعاهدات فتوى دينية من المرشد الأعلى تحظر تصنيع قنبلة نووية وجميع أسلحة الدمار الشامل. هذا التحرك من شأنه أن يضمن للمجتمع الدولي أن إيران لا تسعى لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وسيعمل على إعفاء إيران من التزاماتها التعاهدية، التي جرى استخدامها من قبل الغرب لفرض مزيد من العقوبات على طهران.

التدابير العقابية الأميركية والغربية على إيران تجاوزت تلك المفروضة على كوريا الشمالية، التي انسحبت من معاهدة حظر الانتشار النووي وقامت بتصنيع قنبلة نووية وأجرت ثلاثة اختبارات نووية وهددت باستخدام الأسلحة النووية ضد الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، أقامت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى علاقات نووية وثيقة مع بلدان غير أعضاء في معاهدة حظر الانتشار النووي مثل الهند وباكستان وإسرائيل، ولذا لم يكن غريبا أن يشعر الإيرانيون بإحباط متزايد من هذا الكيل بمكيالين، الذي يكافئ المخالفين والدول غير الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي من خلال إقامة تحالفات استراتيجية. في الواقع، دفعت إيران ثمنا باهظا لاستمرارها في الالتزام بمعاهدة عدم الانتشار وعدم امتلاكها لأسلحة نووية.

ومنذ ثورة 1979، ثبت أن ضرر معاهدة عدم الانتشار كان أكثر من فائدتها بالنسبة لإيران، حيث أصبحت تلك المعاهدة تمثل تهديدا فعليا للأمن القومي، وبات الغرب يستخدمها أداة للضغط على إيران من خلال مجلس الأمن.

وقد أصدر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قرارا يفيد بأن معتقداتنا الدينية تنظر إلى هذه الأنواع من أسلحة الدمار الشامل على أنها أدوات للإبادة الجماعية، ولذا فهي ممنوعة ومحظورة شرعا، حيث قال: «تعتبر جمهورية إيران الإسلامية أن استخدام الأسلحة النووية والكيميائية والأسلحة المماثلة لها خطيئة كبيرة ولا تغتفر».

وبالتالي، يمكن لإيران أن تضع أساسا جديدا لمنع انتشار الأسلحة، على أساس القيم والمبادئ الإسلامية، التي تتجسد في فتوى المرشد الأعلى، وليس على أساس معاهدة حظر الانتشار النووي أو الاتفاقيات الأخرى المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وبهذه الطريقة نوضح عظمة الإسلام أيضا. وكإجراء يظهر حسن النية، يجب على إيران أن تسمح بالتفتيش غير المشروط لأنشطتها النووية وأن تعلن أن برامجها النووية سلمية، وهو ما من شأنه أن يضمن لإيران أن الغرب لن يستخدم معاهدة حظر الانتشار النووي وغيرها من الاتفاقيات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل كوسيلة للضغط على إيران وإلحاق أضرار اقتصادية واجتماعية وسياسية.

* السفير الإيراني السابق لدى ألمانيا والمتحدث الرسمي باسم فريق التفاوض الإيراني في المفاوضات النووية مع الاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو مؤلف كتاب «العلاقات الإيرانية الأوروبية: تحديات وفرص» وكتاب «الأزمة النووية الإيرانية»، وهو حاليا باحث في برنامج العلم والأمن العالمي بكلية «وودرو ويلسون» للشؤون العامة والدولية بجامعة «برينستون».

* بالاتفاق مع «كايرو ريفيو»