«دي جافو» مصري

TT

التعبير الفرنسي «دي جافو» الذي اشتهر عالميا وهناك فيلم سينمائي شهير يتحدث عنه، وترجمته الشعور الذي يتعرض إليه كثير من الأشخاص في حدث أو تجربة حياتية معينة بأنهم قد مروا بنفس التجربة أو الحدث في وقت سابق.. هذا التعبير قد ينطبق بشكل ما على الأحداث التي تمر بها مصر حاليا خاصة في ثورة 30 يونيو (حزيران) الجديدة. الفرق أنها ليست من ألعاب الدماغ أو المخ البشري كما يحاول بعض العلماء أو السيكولوجيين إيجاد تعريف علمي لتجربة الشعور بالمرور بنفس الحدث في تاريخ سابق غير معروف أو حياة أخرى، فما حدث هو واقع ويتفاعل يوميا.

تقريبا نفس مشاهد 25 يناير (كانون الثاني) التي كانت ضد الرئيس الأسبق مبارك تكررت في 30 يونيو ضد الرئيس اللاحق مرسي وبشعارات فيها قدر ليس بقليل من التشابه، وكأننا نشاهد فيلما سينمائيا رأى مخرجه أن السيناريو خرج عن السيطرة أو ذهب إلى غير ما يبتغيه فأوقف المشاهد وأعاد التصوير لتعديل السيناريو، والفرق بين الفيلم الذي قام ببطولته النجم العالمي دنزل واشنطن «دي جافو»، وما يحدث في مصر هو أن المخرج الذي يعدل السيناريو هنا هو جماهير هادرة في شوارع وميادين، تتفاعل معها حركات سياسية ولاعبون إقليميون ودوليون.

وكما حدث في 25 يناير وما لحقها من مرحلة انتقالية أولى، شهدت ثورة 30 يونيو التداخل الإقليمي والدولي مع الحدث، بينما أعين اللاعبين المحليين لا تستطيع أن تغفل دور القوى الخارجية، وكل طرف يحاول استمالتها إلى جانبه أو على الأقل تحييدها. الفارق أن المواقف تبدلت؛ فاللاعبون الإقليميون الذين كانوا مع 25 يناير أصبحوا ضد 30 يونيو وحجتهم الشرعية التي جاءت بصناديق الاقتراع، بينما حجة الطرف الآخر الذي استطاع إسقاط الرئيس الجديد هي أن الشرعية التي نزلت إلى الشارع بالملايين في مظاهرات حاشدة هي نفسها التي قبلها الجميع واعترفوا بها في إسقاط الرئيس الأسبق فلماذا يعترضون عندما تلجأ نفس الشرعية إلى إسقاط الرئيس اللاحق، خاصة أن هذه الشرعية طلبت في الحالتين أن يقف الجيش معها، وهو ما حدث في الحالتين.

كثيرون يرون أن السبب في تكرار مشاهد 25 يناير وإسقاط رئيس مفترض أنه منتخب بإرادة حرة في الذكرى السنوية الأولى لرئاسته هو المسار الخاطئ الذي حدث في المرحلة الانتقالية الأولى والذي كرس انقساما ازداد تعمقا طوال العامين والنصف الماضيين، وبدأ بالاستفتاء الذي قدم خيار إجراء الانتخابات قبل الاستفتاء على دستور يكون أرضية يرضى بها الجميع، فأوصل الجميع إلى برلمان جرى إسقاط دستوريته ورئيس من دون صلاحيات محددة اضطر إلى إصدار إعلانات دستورية تحميه وتمنحه شبه صلاحيات مطلقة، وصدامات مستمرة بين الرئاسة والقضاء، وفي الخلفية اقتصاد يتدهور بسرعة صاروخية يوما بعد يوم، ودولة تتعرض مصالحها الحيوية إلى الخطر نتيجة حالة الضعف الداخلي.

لماذا حدث ذلك؟ سؤال سيجيب عنه التاريخ عندما تقيّم التجربة بعقول هادئة، لكن المرجح أن حالة الارتباك الأولى التي سادت الجميع عد سقوط النظام الأسبق في 2011 وافتقاد حركات الشباب والشارع إلى قيادات سياسية تستطيع أن تقود وتوجه وتفاوض، هو الذي أدى إلى سيطرة تيار سياسي معين لم ترضَ عنه الناس.

الآن لم يعد هناك مجال للخطأ فإذا كانت الفرصة تكررت أو أتيحت لتعديل المسار فيجب أن تدار المرحلة الانتقالية الجديدة بتوازن يجب أن يقاس بميزان من الذهب بين الحكمة والحزم، حتى يمكن تفادي سيناريوهات الفوضى أو الحرب الأهلية التي تحدث عنها الرئيس الروسي بوتين. وما حدث من مواجهات دامية أمس وقبله، إضافة إلى المشاهد المروعة للعنف التي يجري تداولها على مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي لا تسر أحدا وتنذر بمخاطر.

ويشير الانقسام أو حالة الاستقطاب الشديدة التي وصلت إلى المشهد الإقليمي والدولي، بين من يستخدمون تعبير الانقلاب، وقوى أخرى تفضل التريث بعدما رأت حجم المظاهرات التي كانت تريد إسقاط الرئيس، إلى حالة من خلط الأوراق أحدثتها 30 يونيو، فأصدقاء الأمس أصبحوا خصوما. وتبدو مصر في أيام خطرة لم تشهد مثلها في تاريخها الحديث، وقد يتوقف مستقبلها على كيفية إدارة المرحلة، والانتقال من حالة الخطر الحالية.