ليسوا إخوانا ولا أعرف ماذا هم!

TT

الحرب أكثر أنواع النشاط البشري حماقة، وإن كانت أشد العناصر حسما في التاريخ. ومصر هذه الأيام تخوض حربا حقيقية في مواجهة الإرهاب بعد سقوط الحكومة التي كان الإرهاب والإرهابيون قد وجدوا فيها الأخ الأكبر أو الأب الروحي. ومشكلة الحرب المشتعلة الآن في سيناء وعلى أرض الوادي، أن عددا كبيرا من المشتغلين بالشأن العام لا يعرفون بوجودها أو يحاولون تجاهل وجودها، أحد أدلتي على ذلك، أن فضائيتين من أهم المحطات التلفزيونية في مصر، ما زالتا تتكلمان عن «مجهولين ملثمين، هاجموا كذا وقتلوا كذا وأصابوا كذا»، يبدو أنهم لن يعترفوا بوجود إرهابيين وأعمال إرهابية، إلا بعد خروج مليونية إلى ميدان التحرير تبلغهم بذلك. عندما لا تعرف الاسم الصحيح لمشكلتك أو تتفادى الاعتراف به، تكون قد خسرت معركتك قبل أن تبدأ. هذه حرب ربما تكون جديدة على التعريفات العسكرية المستقرة، ولذلك هي تتطلب وسائل في خوضها مختلفة عما ألفه العسكريون المحترفون. إنها ليست تلك الحرب التي تقوم فيها بـ«تدمير جيوش العدو وعتاده من أجل فرض شروط السلام عليه»، لأنه أصلا ليس باحثا عن سلام، وليست لديه معدات يحرص على إبقائها سليمة، وليست لديه تشكيلات عسكرية على الأرض يحرص على حياة أفرادها. كل المطلوب منه هو أن يخرج من مكمنه ويأخذ طريقه إلى حيث توجد أنت في كمين أو موقع أو معسكر أو حتى في الشارع وأنت عائد لبيتك ليقتلك ثم يفر هاربا. هو لا ينتصر عليك عندما يصل إلى هدفه وهو القضاء عليك، بل إن انتصاره يتحقق في لحظة أن يأخذ طريقه إليك، لأنه سيصل إليك حتما في لحظات لا تكون فيها جاهزا للدفاع عن نفسك. أخرج من ذلك بتعريف موجز لهذا النوع من الحرب: «أن تصل إلى العدو في مكمنه قبل أن يأخذ طريقه إليك»، وهو ما يتطلب معرفة عالية ومعلومات يتم تحديثها لحظة بلحظة، ثم التحرك بسرعة لخوض معركة مع الإرهابي في مكمنه بأكبر ما لديك من قوة نيران. ليس المطلوب فقط منع الإرهابي من الوصول إليك بل منعه من التفكير في ذلك، ودفعه للانشغال بالبحث عن مخبأ آمن عليك أنت أن تكتشفه وتصل إليه. لا جديد فيما أقول، لا شك أنك استمعت عشرات المرات لهذه الجملة الحوارية التي تتردد في عشرات أفلام مطاردة عصابات القتلة: «Go and get him» (اذهب واقض عليه).

حدث أول من أمس فجرا أن هاجم عدد من أعضاء جماعة الإخوان مبنى الحرس الجمهوري، ربما لتخليص الرئيس المخلوع والحفاظ عليه في مكان أمين إلى أن يحين موعد الخلافة، فكان من الطبيعي أن يدافع الجنود المكلفون بحراسة المبنى عن أنفسهم، فقتل أكثر من أربعين شخصا، كما قتل ضابط شرطة ومجند. كما اختطفوا جنديين ضربوهما ووضعوهما على سيارة نقل وأرغموهما على أن يشتموا قادة القوات المسلحة من خلال مكبرات الصوت. أنا واحد من أكثر أصحاب الخيال جموحا في مصر، ولكني عاجز عن تخيل أن يقوم مصريون بأسر جنود مصريين ويضربونهم وهم يمشون بهم في موكب يتسم بأكثر أنواع الانحطاط انحطاطا.