وردة للوداع

TT

سوف يكون هذا المقال هو آخر مقال أكتبه لهذه الجريدة المحترمة التي أكن لها كثيرا من العاطفة، خصوصا وأنها استحملت كثيرا من هذري وعبثي وشطحاتي ما يقارب العشرة أعوام.

ويعلم الله أنني طوال ذلك الوقت حاولت أن أكون متزنا بقدر ما أستطيع، وهو جهد لو تعلمون عسير، وبالذات لمن هو مثلي ممن تغلغلت جينات التمرد في قطرات دمه.

وعندما كادت أن تنتكس فيه الرايات، وخفقت في حينها أمام عيناي أجنحة خفافيش الظلام، لم أتراجع، ولكنني على طريقتي الخاصة، لم أجد هناك تعبيرا صادقا وصادما في الوقت نفسه أكثر من (الهزء)، أو السخرية بصيغة أخرى، لهذا تركت المنطق والعقلانية على جنب، وتركت الخوض في وحول السياسة لمحترفيها، وتركت الخلق لخالقهم، مبحرا في عالمي الافتراضي، متقمصا حلم طفل نائم في مهده بأسبوعه الأول من ولادته، ولا أدري ولست متيقنا من أن الرضيع في ذلك العمر هو يحلم، ولكنني متأكد وجازم بأنني كنت طوال تلك السنوات أعيش في حلم متصل غير منقطع، بعضه عشته وبعضه قرأته وبعضه سمعته وبعضه تخيلته، ناسجا من أيامي عباءة مطرزة بكل ألوان الطيف، ولبستها أمام الجميع كأي (بلياتشو) صفيق، ولم أعبأ في حينها بتهكم البعض وانتقاداتهم، طالما أنني أستطيع أن أفرج الكربة ولو (قيد أنملة) عن أفراد يعدون على الأصابع، في وقت عز فيه الفرح، وكاد أن يضمحل فيه الأمل.

وتستطيعون في هذه الحالة أن تعتبروني مجرد راقص (باليه) ثمل، أو حتى (عاقد أنكحة) لعرسان الحياة، شاء من شاء وأبى من أبى.

وحان لي الآن أن ألقي عصاي وأرحل، سواء إلى التيه أو حتى إلى ما وراء الشمس، فقد أعطيت كل ما في جعبتي كأي صانع ألعاب (Fireworks)، وكذلك لم يعد عندي مما يبرد على الكبد الحار، أو يسعد القلب العليل.

لست متشائما إلى هذه الدرجة، ولست شقيا أو حزينا بقدر ما أنا مضطرب، ومحتاج فعلا وإلى أقصى الحدود إلى أن ألقي برأسي المكدود والمتعب على صدر هذه الأرض الحرون، التي طالما ناصبتها أنا، وناصبتني هي العداء والغرام في آن واحد - أي أن ما بيننا كان (ديالوغ فنتازيا) - وهل هناك أروع وأفدح من ذلك - ؟!

وقبل أن أترك، أو بالأحرى قبل أن يتركني قلمي، لا يسعني إلا أن أشكر رئيس التحرير ونائبه وكل العاملين.

وإن نسيت فلا يمكن أن أنسى الأستاذ (محمد باناجة)، الذي أشرف على كل مقالاتي.

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، و(باي باي).

[email protected]