مصر: «الإخوان» ليسوا الحل وقلق العسكر على سيناء

TT

يدرك «الإخوان المسلمون» أن اللعبة سياسيا انتهت، وما عليهم بالتالي سوى التحريض على العنف والمواجهات كي تكبر الأمور وتتطور. إذ ما عندهم أن يخسروا، خصوصا أنهم جعلوا من مصر دولة فاشلة حيث الاقتصاد العصب الأساسي في حالة انهيار. لم يكن همهم الفرد المصري أو الدولة المصرية، كان هدفهم الأمة إذ عندما يسيطرون على الدول النفطية يبدأون التفكير سياسيا واقتصاديا. ظهر هذا جليا في «الخطبة» المطولة التي ألقاها المرشد محمد بديع، معتمدا على الآيات القرآنية وعلى التحريض وعلى عبارة «باطل» التي تلهب جمهوره. لم تكن هناك إشارة إلى مفهومه السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي للوضع وهو بمثابة «الأخ المرشد» الذي كان يلجأ إليه الرئيس محمد مرسي لحل كل الأزمات. وكان الحل بأن يركز مرسي على عناده، وعلى «الشرعية» وكأنها تجلب الحل السحري. تركة «الإخوان» في مصر هي الانقسامات الاجتماعية والسياسية المتفجرة.

لم يبالوا أنهم حولوا مصر، دولة السبعة آلاف عام حضارة التي كانت وبشكل واضح الرائدة في العالم العربي، إلى دولة تنزف فقرا وجوعا وخوفا من المجهول.ما جرى في مصر الأسبوع الأخير حولها إلى كابوس بالنسبة إلى كثير من الدول. تونس حذرت شبابها من تقليد شباب حركة «التمرد» المصرية، أي لا ثورة ثانية في «تونس الخضراء». تركيا سارع رئيس وزرائها ووزير خارجيتها إلى الدفاع عن الرئيس المنتخب ديمقراطيا. لم يأتيا على ذكر أخطاء الرئيس أو مرشده، لأن سقوط الحكومة الإسلامية المنتخبة ديمقراطيا في مصر، يمكن أن يمثل ضربة خطيرة لتطلعات تركيا للقيادة الإقليمية، ذلك أنه من المستبعد أن يتحرك الجيش التركي ليدعم المظاهرات الشعبية في تركيا، فأغلب قادته في السجن.

آثار ما جرى في مصر الأسبوع الماضي قد لا يجري إدراكها لسنوات، لكن أمرا واحدا يبدو واضحا، وهو أن تلك الأحداث وفرت للمجموعات الجهادية المدعومة من تنظيم القاعدة الكثير من الحبوب لدفعها إلى مطحنة الدعاية التي هي رائدة في استعمالها. فعالية هذه الدعاية لا تخرق عقول العارفين، لكن من المرجح أن بعض أعضاء جماعة الإخوان الساخطين سوف يتأثرون بها، ثم إن عدم الاستقرار الحالي في مصر سيخلق فراغا أمنيا يستغله الجهاديون لشن هجمات واسعة النطاق، وسوف يركزون في البداية على سيناء.يوم الخميس الماضي داهمت مقر محافظة شمال سيناء مجموعات من المسلحين انتقاما لإزاحة مرسي. وبعد ظهر اليوم التالي حصلت مواجهة بين قوات الأمن وأنصار مرسي انتهت بانسحاب القوات المصرية والاحتلال الكامل لمبنى المحافظة الضخم من قبل مسلحين مدججين يطالبون بعودة الرئيس المخلوع، ورفعوا الرايات السود وصور مرسي.على الأثر صدر بيان رسمي من قائد الجيش الثالث يعلن فيه حالة الطوارئ في جنوب سيناء ومدن قناة السويس، ولم يأتِ البيان على ذكر شمال سيناء. بعدها قالت مصادر عسكرية للوسائل الإعلامية المحلية، إن «الجيش شن عملية واسعة النطاق ضد الجماعات الإرهابية الإسلامية في سيناء مع التركيز على الشمال».

بعد يومين من إطاحة الرئيس مرسي، نقل الصحافي محمد فاضل فهمي على موقعه على «تويتر» عن مسؤول أمني، أن السلطات المصرية لديها معلومات بأن جهاديين من غزة دخلوا مصر في الساعات الأربع والعشرين الماضية. وفي تغريدة أخرى قال فهمي، إنه بعد الهجوم في العريش ألقي القبض على أحد الجهاديين واعترف بأن جهاديي سيناء ينسقون مع جهاديي غزة. وحسب المصدر الأمني فقد كشف الجهادي المعتقل عن أن الجهاديين الآخرين حلقوا لحاهم وشعر رؤوسهم ويستخدمون زي الجيش أو الشرطة للتحرك بسهولة، والهدف خطف الأجانب وأفراد الأمن في شمال وجنوب سيناء.

لا يمكن لأحد التنبؤ كيف ستتطور الأزمة الأمنية في سيناء؛ فسيناء حالة خاصة وحرجة، إن كان من الناحية الاقتصادية أو السياسية، وبشكل خاص الأمنية. بعد إطاحة مرسي، انتشر فيديو كليب لأحد المتشددين في القاهرة يحذر الفريق عبد الفتاح السيسي من أنه أسهم بإنشاء حركة طالبان جديدة في مصر، وتنظيم قاعدة جديد، وأنه بالتالي مسؤول عن استهداف الانتحاريين لـ«العلمانيين والمسيحيين والشيعة وجميع أعضاء المعارضة»، وطالب بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه أو «سترى هذه الجموع تفجير مصر».

بعد يوم واحد من إطاحة حكم مرسي بدأت انتقادات المجموعات الجهادية تظهر، الجدال بينهم أن «الإخوان المسلمين» ضللوا في محاولتهم الوصول إلى السلطة وفرض الشريعة من خلال العملية الديمقراطية. يوجه الجهاديون دعوتهم هذه لأعضاء «الإخوان»، وخصوصا الشباب منهم بالقول، إن «الجهاد وليس المشاركة السياسية هو الجواب». في موقعهم الإلكتروني، وجهوا الدعوة التالية: «التغيير يأتي عن طريق الرصاصة وحدها وليس عن طريق الاقتراع. ولا يمكن إقامة الإسلام بشكل كامل من دون توجيه القرآن والسيف لدعمه». وفي حين تتكشف الأزمة السياسية في مصر، أصدر محمد الظواهري تصريحات له على موقعه الاجتماعي في محاولة لحشد الجهاديين في مصر. ففي الثاني من الشهر الحالي نشر الشقيق الأصغر لزعيم تنظيم القاعدة رسالة تحدٍ على صفحة «فيس بوك»، حث المسلمين فيها على «التخلي عن الخوف والتردد»، واعدا بـ«أننا لن ننهزم». أضاف: «إذا دفعت الولايات المتحدة الأميركية وعملاؤها في دولة مصر التوترات إلى نقطة المواجهة، سيكون هذا لصالحنا لأنه ليس لدينا شيء لنخسره». قال محمد الظواهري أيضا: «في نهاية المطاف سيكون للجهاديين اليد العليا، وهذا ما يهم. وإذا نجح الاتجاه الجهادي في مصر فإنه سيغير المنطقة بأكملها مما يؤدي إلى النهضة الإسلامية والانتصار».

منذ إطاحة مرسي ومحمد الظواهري منهمك في توجيه الرسائل والتحريض، وفي مداخلة أخرى على «فيس بوك» و«تويتر» نشر بيانا: «من القوى والحركات الإسلامية وعلماء الأمة»، داعيا إلى التطبيق الفوري للشريعة. لم يكن واضحا من هم كتّاب البيان الذين نسب الظواهري إليهم هذه الدعوة. والمعروف أن محمد الظواهري وشقيقه الأكبر أيمن يدعوان بانتظام المصريين لتجنب الديمقراطية لصالح الشريعة. واضعو البيان الذي يدعو لتطبيق الشريعة الذي أرفقه محمد الظواهري على صفحته، لا ينادي بالعنف ضد الجيش المصري، بدلا من ذلك يقول: إن هذه المسألة ستتصاعد من خلال الصحافة والإعلام، وإنهم سوف ينظمون «مسيرات ضخمة»، وستكون المظاهرات متناسبة مع ردود فعل السلطات المصرية، لذلك، يبقى أن نرى كيف سيستجيب السلفيون المصريون للأزمة المقبلة. الآن سيبقى تركيزهم على سيناء. في السادس من الشهر الحالي أعلن ممثل «السلفية الجهادية في سيناء» عن تشكيل جبهة جديدة في أعقاب إطاحة الرئيس محمد مرسي، وتدعى الجبهة بـ«أنصار الشريعة في مصر». تستعد المجموعة لخوض المعركة قائلة على صفحتها الاجتماعية، إنها تقوم باتخاذ الاستعدادات اللازمة والحصول على كل وسائل القوة كالسلاح والتدريب. تصور «السلفية الجهادية في سيناء» الأحداث الأخيرة كجزء من مؤامرة ضد الإسلام، متهمة الجيش المصري بتنفيذ إجراءات غير مسبوقة ضد التيار الإسلامي بكل فصائله المقاومة. من المؤكد أن التركيز الرئيس لكبار الضباط العسكريين هو استعادة النظام في القاهرة والإسكندرية والمدن الأصغر الواقعة إلى الغرب من نهر النيل، فمصر غرب النيل تمثل أولوية لهم أكثر من سيناء، لكن هذه الأولوية تجعل من المشكوك فيه للهجوم العسكري المضاد في سيناء أن يكون قادرا على وقف عنف الحركات الجهادية هناك مع ما تتلقاه الآن من أسلحة ليبية مسروقة.

رغم أن هذه الحركات هي في سيناء فإن هدفها الرئيس ليس مهاجمة إسرائيل، ويبدو ذلك جليا في تصريحات قادتها، الهدف الأساسي لها تقويض النظام الجديد الذي يحميه الجيش. يجب أن تعود سيناء بنظر القادة العسكريين والسياسيين الجدد جزءا أساسيا من مصر، إذا تركوها الآن كمن يترك الأساس يتزعزع، عندها سيصبح المبنى المصري معرضا لخطر كبير، ويكفي العرب دولا تتحول إلى ركام.