هوامش على دفتر المرأة

TT

الملاحظ في الواقع السعودي أن قرارات القيادة السياسية تسبق دائما حركة المجتمع ومطالبته، فيما يتعلق بتمكين المرأة. والأمثلة على ذلك كثيرة، ابتداءً من قرار تعليم المرأة في الستينات من القرن الماضي، وصولا إلى عضويتها في مجلس الشورى، وما بينهما من قرارات عديدة، كبطاقة الهوية الشخصية والابتعاث الخارجي وتعزيز فرصها في سوق العمل وغيرها.

إن نجاح القرار السياسي في فرض عدد من الإصلاحات المتعلقة بوضع المرأة، واحتواء ما صاحبها من ممانعة، يعني أن الإرادة السياسية كفيلة بحل كثير من الأوضاع التي لا تزال تحيط بالمرأة السعودية من خلال حزمة من القرارات المأمولة على أكثر من صعيد: اجتماعي، واقتصادي، وثقافي، وعدلي قضائي. لكن سبق الإرادة السياسية للمطالبة الاجتماعية، يشير إلى حالة فراغ شاسعة، من حيث عدم وجود حراك نسوي منظم، أسوة بتجارب بعض دول الجوار والدول العربية الأخرى. فلا يوجد حتى اليوم مكتسب واحد للمرأة السعودية يمكن القول إنه جاء نتيجة لحراك نسوي.

والإرادة السياسية بمفردها من دون وجود قوة دفع اجتماعي في المجتمعات الحديثة، قد لا تحقق دائما المرجو منها، وذلك بسبب براغماتية السياسة، وهذا جزء أصيل من تكوينها، مما يضطرها في بعض الفترات إلى تقديم مصالح على أخرى، أو مسايرة البنى التقليدية في المجتمع. والحراك النسوي هنا لا أقصد به كتابات أو إعلانات صاخبة من تلك التي تظهر بين الفينة والأخرى في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. فهذه مع ما تحدثه من دويّ وضجيج فإن مفاعيلها في التغيير منعدمة. إنما أقصد به العمل المهني والمستقل، تحت مظلة جمعيات نسوية ومؤسسات مجتمع مدني، فتمكين المرأة هو عملية تغيير اجتماعي طويلة وتراكمية.

طبعا لا حاجة للقول بأن هذه الجمعيات النسوية لا وجود لها، لعدم وجود تنظيم رسمي يسمح بها وينظم عملها. وقد ضاعت على السعوديات فرصة تاريخية عندما جرى حصر الجمعيات النسائية، كجمعية «النهضة» مثلا التي تأسست في الستينات من القرن الماضي، في العمل الخيري البحت، في الوقت الذي كان فيه (سؤال المرأة) في صميم اهتمام جمعيات خليجية مشابهة، تأسست في فترات تاريخية مقاربة، مثل «الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية» بالكويت.

هذه الحقيقة المتمثلة في عدم وجود أرضية مؤسسية، لا تنفي أن النخبة النسائية في السعودية، أخفقت مع ما تملكه من علاقات، ومن أدوات للمعرفة، في أن تنظم نفسها، وتجيد عقد تحالفاتها، في سبيل تعزيز مواقع المرأة. وأتصور أن أحداث السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 شكلت جرحا لم يتم التعافي منه، وإحباطا كبيرا للنخبة، مما أجهض تاليا أي محاولات للتنظيم والعمل، حتى في دائرة الموضوعات الأقل إثارة للجدل.

إن المرأة المثقفة محاصرة بأكثر من سياج. فهناك الاتهام الذي يلاك كثيرا بأن النخبة النسائية السعودية، تتحدث باسم المرأة الأرستقراطية، التي لا تمت همومها بصلة لهموم المرأة العادية. لكن هذا الاتهام لا يقوم على سند، لأن كثيرا من هؤلاء النخبة خرجن من رحم الطبقة الوسطى، وحفرن الصخر بأظفارهن في واقع اجتماعي معقد، ناذرات أنفسهن للعلم والعمل. وفي التجارب الدولية فإن النخبة هن من أحدثن تأثيرا إيجابيا في واقع المرأة ومستقبلها، لأن المهمشات، أو لنقل غير المثقفات بشكل عام، منشغلات غالبا بإيقاع الحياة اليومي، أو بمتطلبات العيش.

كما أن هناك الحصار المتأتي من ثقافة التغييب والتجهيل لحقوق المرأة، التي تعمل كمؤسسة آيديولوجية ضاربة بأطنابها. ألسنا نسمع بعض الآراء التي تجاهر بقدرتها على عمل استفتاء أو حشد مئات الآلاف من التوقيعات ضد حق من حقوق المرأة؟! هل الحقوق الإنسانية تخضع للاستفتاء؟ أم للإقرار، ثم يترك للأشخاص خيار ممارستها من عدمه؟!

أما مبدأ الأولويات، كهراوة ترفع في وجه النساء حين يقال لهن: ما تتحدثن عنه وتطالبن به ليس أولوية، إنما الأولوية كيت وكيت، يدعو إلى التساؤل عمن له الحق في ترتيب هذه الأولويات؟! ويستوقفني في هذا الصدد قول فريدة النقاش: «إن ما يسمى ترتيب الأولويات قد أدى غالبا إلى نتائج كارثية». وهي تشير إلى الجدل الذي عطّل مسيرة المرأة العربية في بعض الدول، وكان مضمونه كالتالي: الأولوية اليوم هي للمجتمع الاشتراكي، أو الأولوية للتنمية، أو الأولوية لتحرير فلسطين، وهكذا.

ومن خبرة شخصية لم أجد فائدة من نقاش يُبنى على مبدأ الأولويات في نسخته السعودية، والذي ما زالت المرأة لدينا تدفع ضريبته.

لا تجادل من يركب هذه الموجة، لكن قل له مبتسما: ملفاتنا كثيرة، تفضل خذ أولوياتك، ودع لي أولوياتي.