اللحظة التي بددها أحفاد حسن البنا

TT

كأن محمد بن عيسى، السياسي المغربي العتيد، كان يقرأ من كتاب أمامه، حين توقع أن يصدر بيان من الجيش المصري، بما يضع حدا لعبث السلطة الذي دار في مصر، على مدار عام كامل، من حكم محمد مرسي.. فقبل بيان القوات المسلحة، الذي أمهل أطراف العملية السياسية جميعا، 48 ساعة للاستجابة لمطالب الشعب، وإلا فإنه سوف يتدخل ويرسم خريطة للمستقبل يشرف على تنفيذها.. قبلها بأربعة أيام، سمعتُ من الوزير بن عيسى، أنه من خلال قراءته لما يدور في القاهرة، يتوقع تماما، أن يخرج بيان عسكري، يعيد الأمور إلى نصابها، وهو ما حدث، كما رأينا، بالضبط!

والحقيقة أني بمجرد سماع البيان، تذكرتُ على الفور كلاما مهما، كان موراتينوس رأس الدبلوماسية الإسبانية، في أيام حكم رئيس الوزراء ثاباتيرو قد قاله لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش مشاركته في منتدى «أصيلة» المغربي هذا العام.. قال موراتينوس، إن القوى السياسية في بلدان الربيع العربي قد أخلفت موعدها مع اللحظة، حين افتقدت روح القيادة، مما حال دون التوصل لتوافق تاريخي في تلك البلدان، وخصوصا مصر وليبيا.

ولم تكن القوى السياسية إياها، في نظر السياسي الإسباني، هي وحدها التي أخلفت موعدها مع لحظة تاريخية جاءتها من السماء، وإنما الغرب كله، أخلف موعده هو الآخر، حين لم يواكب من جانبه الربيع العربي سياسيا، ولا اقتصاديا، وليس أدل على ذلك، من وجهة نظر الرجل أيضا، إلا أن الاستثمارات الأوروبية المطلوبة في مناطق الحراك في العالم العربي قد غابت، ولم يكن هناك دليل على غيابها، أكثر من أن الاعتمادات الموجودة لدى الصندوق الأوروبي للاستثمار، لهذا الغرض، قد تقلصت!

وما يهمنا هنا، هو القوى السياسية التي أخلفت موعدها، مع لحظة لن تأتي لها مرة أخرى؛ ففي مصر، على سبيل المثال، عاش الإخوان المسلمون 83 عاما كاملة، منذ نشأة الجماعة على يد حسن البنا، عام 1928، إلى أن تخلى الرئيس مبارك عن الحكم، في 11 فبراير (شباط) 2011. وهم يحلمون بالوصول إلى السلطة، وفي سبيل هذا الهدف، الذي يبدو أنه لم يغب عن أعينهم لحظة واحدة، دخلوا في معارك متواصلة، مع أربعة حكام مصريين، من أول الملك فاروق، ومرورا بعبد الناصر والسادات، وانتهاء بمبارك، وكانوا في كل عصر من العصور الأربعة، يقاتلون، بالمعنيين المادي والأدبي للكلمة، من أجل الوصول إلى كرسي الحكم، ومن أجل وضع المشروع الإسلامي، من وجهة نظرهم، موضع التنفيذ.

وحين تحقق الهدف، في لحظة نادرة من لحظات التاريخ، بوصول واحد منهم إلى الرئاسة، هو محمد مرسي، فإنه قد بدا، منذ تلك اللحظة، في 30 يونيو (حزيران) 2012 أنهم قد جنوا ثمارا، لأول مرة، لمشوار شاق للغاية، دام ثمانية عقود ثم زاد عليها ثلاث سنوات!

وكان الأمل، والحال كذلك، أن يكونوا، كإخوان مسلمين، على قدر المسؤولية التي ألقتها لحظتهم على كاهلهم، فإذا بهم، بتعبير موراتينوس الدقيق، يُخلفون موعدهم معها، وإذا بهم، يُلحقون بالمشروع الإسلامي الذي كانوا يقولون إنهم يحملونه، من الأذى، ما لم يلحقه به، أعدى أعدائه!

ففي الوقت الذي أعلن فيه الجيش، بيانه الحاسم، أفاق أصحاب المشروع الإسلامي، من الإخوان، إلى ما ظلوا ينكرونه طوال 12 شهرا، تحت حكم مرسي، وكيف أنهم أضاعوا ذلك العام، ليس فقط من عُمر بلد بحجم مصر، وإنما بددوه تماما، إذا ما جئنا لنحسب بالورقة والقلم، ماذا أضاف عامهم ذلك، لمشروع الإخوان، وماذا خصم منه، ثم نال!

كانوا على موعد مع لحظة، انتظروها 84 سنة، فإذا بهم، حين جاءتهم، يتعاملون مع البلد، على أنه غنيمة خالصة لهم وحدهم، ويتعاملون مع الذين سواهم، على أنهم خصومهم، بل أعداؤهم، ثم يتعاملون مع أقطار عربية مجاورة، على أنها مجرد جزء من مشروعهم الأكبر، الذي يسعى كل واحد فيهم إلى تجسيده، على امتداد 84 دولة إسلامية، كما قال مرشدهم العام السابع مهدي عاكف، ذات يوم، وهو يشير إلى مسؤولية مرشدهم بديع الثقيلة!

عاش الإخوان بأجسادهم معنا، في عام 2013 ولكن عقولهم كانت أسيرة لقرون من الزمان مضت، فتكلموا لغة غير لغة العصر، وكان الطبيعي، عندئذ، أن تفلت اللحظة من بين أيديهم، ولا تنتظرهم، ولمَ لا؟!.. وقد أداروا ظهرهم لها على نحو مذهل، ومحزن!

ما أضيع الطاقة التي بذلها حسن البنا، مدى حياته، لا لشيء، إلا لأن أحفاده كانوا أصغر بكثير من اللحظة!