أيهما أهم: الدين أم الأحزاب؟

TT

لو أردت إبصار عنصر مشترك بين كل الأزمات الحاصلة الآن في عالمنا العربي، ستجده ماثلا في الشعارات الدينية. الأحزاب والتيارات والجماعات التي «تقاتل» الآن، من ليبيا والصحراء الكبرى غربا إلى العراق شرقا، مرورا بمصر وسوريا ولبنان، كلها تلوذ بالدين وادعاء تمثيله وحمايته من الأعداء.

شيعة وسنة، بل حتى مسيحيون، يرفعون بيارق الدين، لدرجة الابتذال فعلا، والمشكلة أنه لا تترجم هذه الشعارات إلى منتجات تطبيقية وعملية ملموسة، والإنسان في النهاية، بعد انقضاء حفلة الشعارات، يبحث عن قطعة خبز، ولتر وقود، وشحنة كهرباء. هذه أشياء غير ملونة ولا مسيّسة.

الخطر يقع - في هذا الاستنزاف الشره للشعور الديني في سوق السياسة – على الدين نفسه، لأن الإنسان الغاضب والحانق على السياسي لن يجد مناصا من محاسبة صاحب الشعارات على شعاراته.

الدين هو هوية عميقة وذاكرة راسخة وحياة شعوب ومخزن وجدان وطاقة تحفيز وترياق للصبر على المصائب، باختصار هو جوهر الهوية في مجتمعات الشرق الأوسط على وجه خاص. لذلك فهو متعالٍ على كل السياسات والأحزاب، أو هكذا يجب أن يكون.

فطن لهذا بعض العلماء والفقهاء فتوجسوا خيفة من هذه الأحزاب الدينية السياسية، لأن فشلها سيحسب على الدين نفسه، على الأقل عند الأعداء و«الجهلاء».

شيوخ الدين التقليديون لم يكونوا على راحة من هذه الأحزاب، وتحديدا الإخوان، قديما وحديثا، ولدينا انتقادات من علماء وجهت إلى المؤسس حسن البنا، والملهم الثوري سيد قطب، بشكل أكثر وضوحا وحِدّة، وصولا إلى عصرنا الحالي، حتى قبل هبوب الربيع العربي، ولدينا مثلا من سوريا شيخ المحدثين والسلفيين ناصر الدين الألباني، ومن السعودية، حيث مكة والمدينة، لدينا انتقادات واضحة لكل من المفتى الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز، والفقيه الراحل الشيخ محمد بن عيثمين، وغيرهما.

من هنا كان «الإحساس» السعودي بخطورة هذه الجماعات المتوشحة بالدين على الدين نفسه. لقد كان هذا الإحساس واضحا في الكلمة الأخيرة للملك عبد الله بن عبد العزيز (خادم الحرمين الشريفين) وولي عهده الأمير سلمان، للناس بمناسبة شهر رمضان. جاء في الكلمة: «إن المملكة العربية السعودية التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين وأكرمها بذلك لن تسمح أبدا بأن يستغل الدين لباسا يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة، متنطعين ومغالين ومسيئين لصورة الإسلام العظيمة بممارساتهم المكشوفة وتأويلاتهم المرفوضة (...) مستشعرين مسؤوليتنا ورسالتنا تجاه عالمنا الإسلامي والإنسانية أجمع».

ثم تضيف الكلمة الملكية المهمة: «والمملكة بذلك تعلن بأنها لن تقبل إطلاقا وفي أي حال من الأحوال أن يخرج أحد في بلادنا ممتطيا أو منتميا لأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان».

الرسالة واضحة، ليس فقط للجماعات السياسية التي ترفع شعارات دينية في الخارج، بل هي رسالة أوضح للداخل السعودي أيضا!

الرسالة هي: لن نقبل هذا، ونعرف من يفعل هذا.