فرحة الغرب المكتومة

TT

يميل رجال السياسة في كل مكان إلى التحكم في انفعالاتهم وعواطفهم وعدم إبدائها بشكل صريح، وفى أحيان كثيرة يبالغون في ذلك مما يوقعهم في ضفة أخرى وهي إظهار انفعالات وعواطف أخرى معاكسة. شيء من ذلك حدث لساسة أميركا والغرب عند حدوث ثورة 30 يونيو (حزيران).

لقد حدثت في مصر ثورة شعبية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، هذا هو المعنى الذي جسده خروج عشرات ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين مطالبين بإسقاط الحكومة. قامت الثورة في موعدها المحدد لها تماما كالطائرات والقطارات في البلدان المحترمة. وحققت هدفها وهو الإطاحة بنظام حكم ديني متطرف وصل إلى الحكم عبر آليات ديمقراطية شكلية، ثم عجز عن تلبية حاجة الشعب إلى ديمقراطية حقيقية تمكنه من الاستفادة من قدراته في تحقيق العدالة والعيش والحرية. قامت الثورة ضد النظام بعد أن أصبح واضحا لكل سكان الأرض أن الجماعة الحاكمة ظلت على إخلاصها والتزامها لجماعتها، وهو ما جعلها عاجزة عن أن تكون تابعة للمصريين.

تعاملت أميركا والغرب منذ اللحظات الأولى لوصول الجماعة إلى الحكم بوصف الأمر بأنه زلزال عليها أن تقلل خسائره إلى حدها الأدنى. ودفعت أميركا الثمن غاليا بعد أن وجهت لها الاتهامات بأنها ساعدت الجماعة على الوصول إلى الحكم كما ساندت بقاءها فيه. الواقع الذي يجب ألا ينكره أي منصف هو أن الجماعة وصلت إلى الحكم بمساعدة صناديق الانتخابات وبعض الحيل الأخرى التي من المؤكد أن ملفاتها ستفتح قريبا. ضحايا الزلزال عادة في حاجة لعدد من خيام الإيواء، هذا هو ما فعلته أميركا، لتجد نفسها متهمة بدعم الزلزال وليس ضحاياه. ماذا في هذا النظام المخلوع يُشعر أي رجل سياسة في العالم كله بالارتياح؟ هذا النظام الذي يمهد البلاد كلها لتتحول إلى بيئة متطرفة وملاذ آمن للمتطرفين في المنطقة العربية، لكي تتحول على مدى الأعوام المقبلة إلى ميناء لتصدير الخراب إلى العالم كله. هذا النظام الذي يعرف الصداقة مع جماعة حماس فقط.. ماذا في هذا النظام يشعر حكومات الغرب وأميركا بالألم لرحيله؟ أليست النتيجة الطبيعية والمنطقية لرحيله هي أن تتنفس كل حكومات الغرب الصعداء وتقول: «الحمد لله.. جات منك ما جاتشي مني».

غير أنهم وبحكم الصنعة صاحوا: «إيه ده؟.. دبابات.. مدرعات.. عساكر في الشوارع.. حكومات مخلوعات؟ اوعوا يكون ده انقلاب.. هنزعل قوي»..

وبعدها بأيام كان الكونغرس الأميركي، وهو خزانة العقل الأميركية، هو أول من يقول: «اسكتوا.. مش اتضح إنه مش انقلاب.. وإنها ثورة عملها المصريون ضد حكومتهم لما لقوها مش نافعاهم!!».

هذه أول معركة في التاريخ في العصر الحديث تكسبها الديمقراطية لا يدفع فيها الغرب مليما واحدا. هذا هو بالضبط ما أشعر كل ساسة الغرب بالفرحة، وهذا هو أيضا ما جعلهم يكتمونها لعدة أيام قبل أن يعترفوا بأنها ليست انقلابا.