أفغانستان: مخاطر إجراء انتخابات رئاسية

TT

في هذا الأسبوع، بدأ الأفغان يسجلون أسماءهم في قوائم الناخبين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في مناخ يصعب وصفه بأنه حماسي. إن الانتخابات المرتقبة مثار عدة تكهنات. يشك البعض في أنها ستجرى بالأساس. ويخشى آخرون من أن يستغل الرئيس الحالي، حميد كرزاي، أنظمة فاسدة لمد فترة حكمه، باعتبار هذه الممارسة متكررة.

ترغب قوات حلف «الناتو» التي تقودها الولايات المتحدة في أن تستمر هذه الممارسة لأنها يمكن أن توفر الغطاء الذي يحتاجونه للانسحاب مع نهاية عام 2014. وفي حالة ما إذا أجريت الانتخابات في أبريل (نيسان)، كما هو مخطط، فقد تصبح لدى الرئيس الجديد إدارته في يونيو (حزيران). وهذا من شأنه أن يمنح حلف «الناتو» مهلة قدرها ستة أشهر لحزم أمتعته والرحيل. إلا أن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان النظام الرئاسي الذي فرضته واشنطن بعد إجلاء حركة طالبان من كابل في عام 2001 يمكن أن يجدي نفعا في أفغانستان أم لا.

تمنح مدة حكم كرزاي التي استمرت لعشر سنوات بضعة دلائل. قليل من الأفغان هم من اعتبروه رئيسا بالمفهوم العادي للمصطلح. لكنهم نظروا إليه من خلال منشور الثقافة السياسية الأفغانية باعتباره رجلا مدعوما من أقوى قبيلة قادرة على فرض حكمها على الدولة. في هذه الحالة كانت «أقوى قبيلة» ممثلة في جيش تابع لحلف «الناتو» مؤلف من 120 ألف رجل.

في الثقافة السياسية الأفغانية، يستمد الحاكم شرعيته من قدرة قبيلته على «الهيمنة» (الاستئثار بالسلطة). من ثم، إذ لم تعد «قبيلة الناتو» موجودة لتأمين «السلطة»، فلن يكون هناك مبرر لمنح الشرعية لأي شخص يصبح رئيسا العام المقبل.

في عام 2002، بينما ناقش تحالف بقيادة الولايات المتحدة النظام السياسي ما بعد حركة طالبان، اعتبر بعضنا أن تصدير النظام الرئاسي الأميركي كان خطأ. لطالما كانت أفغانستان اتحادا فضفاضا مؤلفا من 18 طائفة عرقية ودينية، تعترف بالسلطة الرمزية لملك في كابل. وعلى الرغم من أن شعورا قويا بالانتماء إلى أفغانستان كان يربط بين كل الطوائف والقبائل، فإنه لم تكن هناك رغبة في حكومة مركزية.

تمثل أحد أسباب إخفاق الشيوعيين الذين استولوا على السلطة في كابل في عام 1978 في فرض حكومة مركزية لها رئيس يضطلع بسلطة تنفيذية حصرية.

قبل أفغانستان، صدرت الولايات المتحدة نظامها الرئاسي إلى عدد من الدول الأخرى، الأمر الذي آل إلى نتائج غير مرضية في الأغلب. في الفلبين، قاد النظام الرئاسي المفروض من الولايات المتحدة إلى عقود من الديكتاتورية. وأفضت تجربة مماثلة في كوبا إلى استبداد باتيستا وأعقبه استبداد أشقاء كاسترو. وفي كوريا الجنوبية، أسفر النظام الرئاسي عن خمسة عقود من الحكم الاستبدادي المدعوم من الجيش.

وبحلول عام 2002، كانت التجربة قد برهنت بالفعل على أنه بخصوص المجتمعات الديمقراطية، يعتبر النظام الرئاسي بمثابة وصفة للديكتاتورية.

بالمقارنة، حينما وضع الأميركيون الثقافة السياسية الأصلية في الاعتبار، كانت النتيجة عملية بناء ديمقراطية سريعة. وهذا ما حدث في ألمانيا الفيدرالية واليابان. في كلتا الحالتين، فضلت الحكومة نظاما فيدراليا على نظام رئاسي. أثمرت تجربة إنهاء الاستعمار في الفترة من الأربعينات إلى الستينات من القرن العشرين نتائج مماثلة. صدّر الفرنسيون النظام الرئاسي إلى مستعمراتهم السابقة فقط ليشهدوا ظهور حكام طغاة مستبدين في معظم الدول التي حصلت على استقلالها أخيرا. بالمقارنة، صدّر البريطانيون نظامهم البرلماني إلى مستعمرات سابقة. وفي غالبية الحالات، جاءت النتيجة ممثلة في عملية إرساء ديمقراطية بطيئة ولكن مطردة. ليس المرء بحاجة لذكر كندا والنمسا ونيوزيلندا، تلك الدول التي يمكن اعتبارها أجزاء من «الأنغلوسفير» (الدول الناطقة بالإنجليزية). أصبحت الهند بالمثل ديمقراطية، ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى النظام البرلماني. آثرت دولة باكستان المجاورة النظام الرئاسي، وفي ظل كون منظوراتها الديمقراطية مثار شك دائم، خضعت لفترات طويلة للحكم العسكري.

ويتمثل مثال أحدث في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين. رفض العراقيون نظاما رئاسيا أميركيا. وفضلوا نظاما برلمانيا على الطراز البريطاني. لم يصبح العراق بعد بلدا ديمقراطيا مستقرا وما زال يواجه تهديد العودة إلى نظام حكم استبدادي. ومع ذلك، فقد تمكن من تغيير حكومات عبر الانتخابات ثلاث مرات، وبصرف النظر عن العديد من المنعطفات، فإنه ما زال في مساره نحو بناء الديمقراطية.

على النقيض، أدت محاولة لفرض نظام رئاسي في مصر ما بعد مبارك إلى انقلاب ضد أول رئيس منتخب بحرية وأزمة لا يمكن التنبؤ بعواقبها. مجددا، نرى أنه في المجتمعات ما قبل الديمقراطية، يمكن الحفاظ على نظام رئاسي فقط باستخدام القوة.. فأي رئيس لا يستطيع قمع معارضيه في الشوارع ليس من المحتمل أن يبقى لفترة طويلة. ولكي يقوم بهذا، سوف يحتاج إلى القوات المسلحة. وهذا، بالتبعية، يعني الحكم الاستبدادي، بغض النظر عمن يلعب دور الرئيس. يوفر النظام البرلماني نطاقا أوسع لتقاسم السلطة والتسوية وتدوير الموظفين عند اللزوم.

لو كان محمد مرسي رئيس وزراء لا رئيسا، لاستعاض عنه البرلمان أو حتى الحزب الذي ينتمي إليه، بشخصية متوافق عليها بصورة أكبر. ومع ذلك، فبشغله منصب الرئيس، لم تكن هناك آلية قانونية و/ أو سياسية لعزله قبل انتهاء مدته. وكانت الوسيلة الوحيدة الممكنة لإقالته هي انقلاب.

دعونا نتحول مجددا إلى أفغانستان. تمثل أحد أسباب الفشل الذريع لحركة طالبان في محاولتها فرض نسختها الخاصة من النظام الرئاسي، من خلال إغداق لقب أمير المؤمنين على الملا محمد عمر مع تمتعه بسلطة تنفيذية حصرية.

وبعد رحيل حلف «الناتو»، لم يكن الجيش الوطني الأفغاني في موضع يسمح له بلعب دور القبيلة المهيمنة المطلوب لإبقاء الرئيس في السلطة.

إن الخيار الأمثل بالنسبة لأفغانستان هو تعديل الدستور المفروض من قبل الولايات المتحدة للعمل بنظام برلماني بدلا من النظام الرئاسي.. فالنظام البرلماني من شأنه أن يسمح للطوائف المتعددة في الدولة بالاتحاد عبر تشكيل ائتلاف وتقاسم السلطة.

وبدلا من إجراء انتخابات رئاسية، سيكون من الأفضل أن يصوغ الأفغان دستورا جديدا ويجروا استفتاء للتصديق عليه من جانب الشعب.