حماس في قلب العاصفة المصرية

TT

حين فاز الدكتور محمد مرسي برئاسة مصر اشتعلت شوارع غزة باحتفالات حمساوية صاخبة، تفوق الاحتفالات بفوز حماس في الانتخابات.

كان التبسيط والحسابات الرغائبية هما سيدي الموقف، ذلك أن وصول إخواني إلى رئاسة مصر أطلق العنان لخيالات سلطوية، لا تقف عند حد تثبيت حكم حماس في غزة، بل تعدت ذلك إلى تخيل المشاركة في حكم مصر والشرق الأوسط، آخذين في الاعتبار الإغراء التركي المشجع على تفكير كهذا.

لم تنتبه حماس إلى بديهية أن الفوز في الانتخابات لا يعني الظفر بالسلطة، رغم أن ذلك حدث معها قبل أن يحدث مع قيادتها في مصر، فرغم فوزها المستحق «قانونيا وإجرائيا» فإنها لم تستطع تثبيت هذا الفوز بسلطة فعلية، إلا حين قامت بانقلاب عسكري أقصى فتح عن السلطة في غزة، إلا أنه بالمقابل وضع نفوذها الانتخابي في الضفة تحت طائلة الملاحقة والحصار والاعتقال.

كان سهلا بالنسبة لحماس أن تسيطر على غزة، نظرا لعوامل عديدة، منها أن مساحة المكان الضيقة توفر فرصة لأمر كهذا، إلا أنه كان من الأمور المستحيلة أن يحدث في الضفة ما حدث في غزة، لهذا تحولت آمال حماس وأحلامها السلطوية إلى عبء عليها، ظهرت تجلياته واضحة في مليونية الانطلاقة، التي أثبتت أن حماس لا تحظى إلا بأصوات أعضائها، فكل من خرج في ذلك اليوم المشهود يمكن أن يصوّت لأي اتجاه إلا لحماس.

بدأت حماس تشعر على نحو مبكر بأن حكم الإخوان الضعيف في مصر جاء أقل بكثير من التوقعات، وحين وُضع مرسي أمام اختبار عملي يوم قامت إسرائيل بعملية عمود السحاب لم يستطع أن يفعل أفضل مما فعل مبارك، أي الوساطة مع إسرائيل والسعي لوقف إطلاق نار، والأسوأ أن مصر ولأول مرة تكون وكيل حماس في أمر الالتزام. واكتشفت حماس على مضض أن وجود رئيس إخواني في مصر يحمل إلى جانب التوقعات الرغائبية غير الموضوعية إمكانية أن يكون عامل ضغط عليها. ذلك أن «الإخوان» في مصر في أمس الحاجة إلى تهدئة مع إسرائيل، وتعزيز ثقة مع أميركا، وتوسيع هامش الخلاف مع إيران، وكل هذه الأشياء لا تصب في مصلحة حماس، بل إنه يرتب عليها أن تدفع جزءا كبيرا من الثمن.

لقد جرى تدمير الأنفاق التي هي عصب حياة حماس، كمقدم حساب لإسرائيل، وتأكيد حسن النوايا، ومتانة الالتزامات بالمعاهدات والتعاون الأمني، مما حمل كثيرين من قادة حماس في غزة على الصراخ احتجاجا، والقول بانفعال ظاهر «إن عهد مبارك كان أفضل من عهد مرسي تجاه غزة».

لقد دفعت حماس ثمنا باهظا إبان الصعود المتعثر لـ«الإخوان» في مصر، حين ارتبطت ماديا ومعنويا بصراعات «الإخوان» مع باقي مكونات المجتمع المصري، مما أدى منطقيا إلى احتراقها السريع لدى القطاعات الشعبية الأوسع في مصر، فإذا بها تصبح شريكا في الغُرم حيث لا غُنم على الإطلاق.

والآن.. وبعد السقوط المدوي لحكم الإخوان في مصر، بدأت مقدمات سياسية عدائية ضد حماس في التبلور بصورة مفزعة، انجرفت إليها مستويات عدة من مستويات صناعة القرار في مصر، وقد بدأت الأوراق المخفية في الظهور، وبدأ التهديد بملاحقات قضائية ربما تطال زعامات فعالة في حماس، والويل كل الويل لمن يخاصمه شعب مصر، ومؤسسات الدولة المصرية، والإعلام المصري بوجه خاص، واسألوا فتح عن هذا، حين كان يصدر خطأ ولو طفيف عنها تجاه مصر، كان ياسر عرفات الذي مات وهو يفاخر بهواه المصري يعاني الأمرين كي يعيد الأمور إلى بعض مما كانت عليه.

إن أخطر ما تعانيه حماس في هذا الظرف هو مواصلتها الرهان على لحظة ما، ربما يستعيد فيها «الإخوان» وضعهم أو بعضه على الأقل في مصر، واستبعادها الرهان على مخرج وسطي مرن ومعتدل، يمكن أن تجده مع فتح ومنظمة التحرير، ولن يلومن أحد من فصائل الإسلام السياسي حماس لو غادرت المراكب الغارقة، تحت دعوى أنها حركة تحرر وليست حركة دينية، ولن يعتب عليها خيرت الشاطر من محبسه لو أنها قامت وبصورة فورية بإعلان مبادرة مصالحة مع فتح وسائر مكونات الحالة الفلسطينية، وأن تبادر إلى تطبيق استنتاج توصل إليه خالد مشعل إلا أن التشدد في حماس وأده في مهده حين قال متسائلا «ما الذي استفدناه من كثرة عدد نوابنا في المجلس التشريعي؟.. لقد كان هذا العدد عبئا ثقيلا علينا»، ولم يقل لما عرف عنه من كياسة «قاتلا لنا».

لا أعرف الخطوة التالية لحماس بعد الذي حصل في مصر؟.. إلا أنني أعرف أنها تعرف كم تضررت من الرهانات المتعجلة التي عُلقت على الإسلام السياسي سواء في دولة الخلافة التركية أو دولة الانتفاضات الشعبية المليونية – مصر.

إن باب الخروج الفلسطيني من الأزمة العاصفة التي تتفاقم أمامها ومن حولها في مصر ما زال متوافرا.. فهل تراه حماس ليكون المخرج الأقل خسارة وفداحة؟!