هل قرأ العسكر المصريون الموقف جيدا؟

TT

من قرأ صفحات «الشرق الأوسط» خلال الأسابيع القليلة الماضية، تكونت أمامه أفكار مهمة عن الكيفية التي ستجابه بها القوات المسلحة المصرية الصراع المتعاظم بين طرفي الأزمة السياسية، التي لم تشهد لها مصر مثيلا من قبل. فقد تميز تمرد 2011 بوحدة هدف إسقاط النظام، أما «تمرد» 2013 فشكل انقساما على كل المستويات، ووضع القيادة العسكرية في حالة تقدير مستمر للموقف، بكل ما يتضمنه تقدير الموقف من تساؤلات متشعبة، من أهمها: إذن ماذا؟ فبهاتين الكلمتين تطرح الوقائع والخيارات والوسائل. ولم يغب الوصف العسكري لتقدير الموقف عن بيان الحسم للقيادة العامة للقوات المسلحة.

إذن، القيادة العسكرية المصرية قدرت الموقف. ومع الاحترام لسياسيي الشرق الأوسط، فإن العسكر المحترفين أكثر مهارة من «كثير» منهم، في تقدير الأمن الاستراتيجي. وعلى عكس الهجوم المستمر على «الانقلابيين العسكريين»، فإن معظم السياسيين الحزبيين لم يجلبوا للمنطقة ولبلدانهم غير الفتن والمشكلات والمماطلات، بسبب ضعف خلفياتهم وقدراتهم القيادية، والتنافس الحزبي خارج الحدود الوطنية المسموحة. وعندما تستند القوات المسلحة إلى تقدير موقف عملي وعلمي، بعيدا عن الطموحات السلطوية، يكون هامش المفاجآت محدودا، خصوصا عندما يتمتع الأمن العسكري بوعي كاف داخل القوات المسلحة، بما يضمن تماسك التشكيلات ووحدة القيادة.

الإخوان المسلمون حصلوا على أصوات تزيد قليلا على ما حصل عليه الفريق أحمد شفيق وحده، لاعتبارات تتعلق بنظرة سلبية تجاه نظام الرئيس مبارك. إلا أن حاصل جمع مرشحي الرئاسة الآخرين يثبت أن «الإخوان» ليسوا الأكثرية، فجاءت مظاهرات 30 يونيو (حزيران) الماضي لتظهر متغيرات كبيرة خلال عام واحد، لم يخلُ يوم واحد منه من مظاهر الرفض والاحتجاج. وهذه نقطة الفصل في تقدير الموقف العسكري، الذي يستند إلى تقدير وتقارير الاستخبارات والأمن العسكري.. لأن الصراع ليس حرب جبهات، تقابل فيها الدبابة بالدبابة، والصاروخ والطائرة بالطائرة والصاروخ، بل هو طوفان بشري يشارك فيه كل الشعب المصري، بكل تراثه وثقافاته.

خطوة الحسم اتخذتها القيادة العسكرية، أما خطوة المجابهة فاتخذها المرشد العام للإخوان المسلمين علنا في تجمع كبير، زحف إثره آلاف الأشخاص بطريقة انقلاب حزبي مدني لمحاولة السيطرة على الشارع، تمهيدا للزحف على مؤسسات الدولة، وربما لتطويق المواقع السيادية العسكرية. وكان رد فعل الطرف المدني الآخر سريعا وقويا وواسعا. أما القوات المسلحة فحافظت على ضبط أعصاب مميز.

ثم جاءت المرحلة الثانية المتوقعة وفقا للحسابات العسكرية، وهي العملية التي وصفت من قبل الجيش بأنها حركة هجوم مسلح واسع على مقر قوات الحرس الجمهوري في القاهرة، لتحرير الرئيس المعزول محمد مرسي من الاعتقال، على افتراض وجوده في هذا المقر، وهو افتراض أظنه ليس دقيقا، لأن من الصعب الإبقاء على مرسي في مكان تدور حوله الشبهات. ويشير الحجم الكبير للخسائر البشرية إلى أن القوات المسلحة أصبحت أكثر استعدادا للدفاع عن قرار تدخلها بقوة قد تفهم بأنها مفرطة. وتعتبر مجابهة الحرس الجمهوري رسالة بالغة الوضوح عن العلاقة المستقبلية بين القوات المسلحة وجبهة «تمرد» من جهة، والإخوان المسلمين من جهة أخرى.. وهو ما ينذر بما هو أكثر خطورة مما يوصف بالعودة إلى المربع الأول، فالمربع الأول في عهد مبارك لم يكن مجابهة، بل كان فرض سلطة فرضت وجودها منذ عشرات السنين.

ليس معلوما ما إذا كانت حركة الإخوان المسلمين على استعداد لإدارة تنظيماتها بكفاءة وسيطرة مركزية، أو شبه مركزية، في حالة اعتقال ومطاردة قياداتها الرأسية. فإذا كانت متحسبة من موقف كهذا فستأخذ المجابهة بعدا لا يخلو من المخاطر على الأمن وحركة الحياة، أما إذا كانت الثقافة مبنية على الرموز فستصطدم حركة الإخوان بمواقف غير متوقعة تؤدي إلى الاختلال في توازنها. وعندما يختل التوازن في جانب ترجح كفة الطرف الآخر.

حتى الآن، يبدو أن تقدير الموقف العسكري قد بني وفق حسابات غير عاطفية، وأن ثورة المرشد المضادة كشفت تفصيلات خطط «الإخوان»، بما يوفر للمخططين العسكريين والأمنيين عناصر تجديد المعطيات لحساب أسوأ الاحتمالات. وهذه واحدة من أخطاء السياسيين التي تقدم خدمة لخصومهم العسكريين، كنتاج طبيعي للاختصاص المهني.. فالعسكريون يجيدون فنون المجابهة، المبنية فلسفة تدريبهم وثقافتهم عليها، والصراع معهم يكون على الدوام غير متكافئ.. لكن كثيرا من السياسيين في العالم الثالث مغرورون بلا أساس.