فاز روحاني.. وماذا بعد؟

TT

كان إهدار أي فرصة لإحداث انفراجة في العلاقات السمة الغالبة للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران خلال العقود الثلاثة الماضية. خسر الإيرانيون فرصة كبيرة عندما تولى أوباما الرئاسة عام 2009. لكن على الأميركيين تجنب تكرار هذا الخطأ مع الرئيس المنتخب حديثا حسن روحاني.

بعد فوز أوباما في انتخابات عام 2009 قام بمحاولة صادقة لإصلاح العلاقات الأميركية مع خصمها اللدود في الشرق الأوسط، فلم يعرض «يدا ممدودة» على إيران فقط، لكنه بعث أيضا برسالتين إلى المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي، يطلب فيهما الحوار. لكن طهران ظلت مفعمة بالشكوك.

قال خامنئي: «ليس لدينا تجربة مع هذا الرئيس الجديد والإدارة»، وقال أيضا: «سوف ننتظر ونرى. إذا كنتِ (الولايات المتحدة) قد غيرت موقفك، فسوف نتغير أيضا. إن لم تتغير، فحينئذ ستعتمد أمتنا على خبرتها خلال السنوات الثلاثين الماضية». ورفض المقترح، تلاشت الفرصة بأسرع مما ظهرت وحل عوضا عنها دائرة مفرغة من العقوبات ضد البرنامج النووي الإيراني.

الآن، لاحت انفراجة أخرى. عندما انتخب مهندس الاتفاق النووي بين إيران والغرب خلال السنوات الـ11 الماضية في الرابع عشر من يونيو (حزيران) رئيسا لإيران، في إقبال كبير على الانتخابات أثار الدهشة، منح فيها غالبية الناخبين الإيرانيين أصواتهم للمرشح الأكثر اعتدالا وبراغماتية. وأطلق انتصار حسن روحاني العنان لسيل من الابتهاج في شوارع إيران. لكن واشنطن لا تزال غير واثقة بعد.

وعوضا عن تهنئة الرئيس الجديد، قال البيان الصحافي للبيت الأبيض: «على الرغم من العقبات والقيود الحكومية أبدى الشعب الإيراني عزمه التحرك لتشكيل مستقبله»، واتخذ أوباما مسارا حذرا مماثلا، فقال: «سنواصل متابعة تطورات الأمر وما سيؤول إليه الوضع خلال الأسابيع والشهور والسنوات القليلة القادمة».

هذا الشك مقبول، فالرئيس المنتخب في نهاية المطاف أحد أبناء النظام.. فمنذ إنشاء الجمهورية الإسلامية لم يغب روحاني عن السلطة أو عطايا خامنئي. وقد وفرت هذه الخلفية الذخيرة للحملة التي تجري على قدم وساق ضد روحاني. فيتهمه البعض بالتورط في الإرهاب وأعمال شائنة أخرى. ويرى آخرون أن فوزه جاء نتاجا لمكائد سياسية عميقة، ومجرد حيلة للمضي قدما في البرنامج النووي تحت ستار أكثر لطفا. أما بعض التابعين لنفس المدرسة الفكرية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيدعون أنه ما دام المرشد الأعلى يسود، فإن الرئيس سيكون غير ذي صلة، وبالتالي لا بد من ضرورة تصعيد الضغوط على إيران.

لا يبدو أي من ذلك مثيرا للدهشة، والتغلب على العقود الثلاثة من العداوة المتراكمة وتجاوز هذا السور الهائل من عدم الثقة بين البلدين لن يكون بالأمر السهل. لكن الأولويات يجب أن تكون واضحة. وإذا كان الهدف الرئيس هو تجنيب إيران امتلاك القدرات النووية، فينبغي أن يكون روحاني موضع ترحيب. عدا ذلك، فسوف يشن معركة خاسرة. ورغم كونه مثل غيره من الرؤساء الإيرانيين، لا يملك القول الفصل في شؤون السياسة الخارجية، فإن نبرة الرئيس وفريقه ستؤثر على العملية الدبلوماسية. ينبغي أن تكون السياسات الخارجية والنووية الإيرانية في عهد الرئيسين محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد دليلا كافيا. وأخيرا، حتى وإن كانت التهم الموجهة لروحاني صحيحة، فلا ينبغي التخلي عن المسار الدبلوماسي، فأميركا لم تحجم على الإطلاق عن التفاوض مع قادة يتباهون بماض مشين عندما تتطلب المصلحة الوطنية ذلك. وبدلا من لعبة الانتظار، ينبغي على واشنطن بدء التفاوض مع إيران في محاولة ثانية. ولذا، ينبغي على إدارة أوباما أن تبدي تحولا في الأسلوب والمادة والاستراتيجية.

لتغيير الأسلوب، يمكن لإدارة أوباما أن تبعث برسالة تهنئة إلى الرئيس الجديد في يوم توليه - 3 أغسطس (آب) 2013. المؤكد أنه يتعرض لانتقادات لإقراره بنظام انتخابي معيب. لكن هذا يمكن أن يزول بسهولة بالنظر إلى موافقة غالبية الشعب الإيراني على المشاركة في الانتخابات. إضافة إلى الرسالة العامة، ينبغي على الرئيس الأميركي أن يبعث برسالة أخرى خاصة إلى المرشد الأعلى يوضح فيها أن واشنطن لا ترمي إلى تجاوزه.

ولتغيير المادة، بالتنسيق مع الحلفاء، ينبغي على الولايات المتحدة وضع خارطة طريق - بعد خطوات بناء الثقة الأولية - تعمل على رفع العقوبات بصورة تناسب التنازلات النووية الإيرانية المطلوبة. ومن المهم أيضا أن يظهر التزاما بالدبلوماسية عبر تجنب تقنين عقوبات إضافية. فهناك أربعة مشاريع قوانين يتم الإعداد لها حاليا. ويتوقع أيضا رفض الكونغرس مناشدات الإدارة نظرا لعدم قناعته بانتصار روحاني. لكن الضغط المتزايد سيفسر في النهاية من قبل إيران على أنه محاولة أخرى لدعم تغيير النظام، الذي تستغله العناصر المحافظة لرفض أي انفراجة من قبل روحاني، ومن ثم الحيلولة دون إقامة محادثات حقيقية.

ولإظهار استراتيجية مختلفة تبدي فيها واشنطن استعدادا للتوصل إلى تسوية مؤقتة مع طهران، ينبغي على إدارة أوباما التراجع عن رفضها مشاركة إيران في مؤتمر جنيف الثاني حول مستقبل سوريا. ويمكن تبرير الموافقة بوجه إيران السياسي الجديد ومن خلال تغير موقف بعض حلفاء الولايات المتحدة. تطبيق كل أو بعض هذه التدابير ربما يبدو مرهقا، لكن ذلك سيكون مؤقتا إلى أن يجري التوصل إلى بديل. وعلى حد تعبير مارك تواين، فنادرا ما كان أسلاف أوباما يرون فرصة للتواصل مع إيران، حتى غابت الفرص تماما. لكن وجود قائد شجاع سيجعل هذه المرة مختلفة.

* محلل بارز بمجموعة

الأزمات الدولية