مركز الأهرام و الإمارات للدراسات.. «الفكر في الزمن الضائع»

TT

في يومين متقاربين، قبيل أحداث الفتنة المؤسفة التي تشهدها أرض الكنانة (وهو مصطلح ربما قُصد به النيل)، كانت لي فرصة طالما ترقّبتها، للاطّلاع على ما تقوم به مراكز المعلومات العربية (خارج بلدي) من وظائف وجهود في سبيل حفظ المعلومات الصحافية والتوثيق والدراسات الإعلامية.

في بلدي (المملكة العربية السعودية) توجد مراكز عدة للمعلومات والدراسات، لكنها عموما مراكز متخصصة، فدارة الملك عبد العزيز مثلا تتخصص بالمعلومات والدراسات التاريخية، ومعهد الإدارة العامة يتخصص بالمعلومات والوثائق الإدارية، ولمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية جهود طيبة في تشجيع الباحثين على القيام بالدراسات السياسية والتاريخية، ولديه مكتبة متميّزة تحتضن الآلاف من المخطوطات النادرة، وربما يكون الأقرب مقارنة بسابقيه إلى فكرة بيوت الخبرة (think tank) لكن الواقع أنه لا يكاد يوجد مركز سعودي واحد يماثل مركزي الأهرام والإمارات - محل الموضوع - من حيث الحجم والتفرّغ للمعلومات الصحافية والوثائق أو الدراسات السياسية والاستراتيجية.

وكان مصدر حرص كاتب هذا المقال على زيارة المركزين هو لاستكشاف المقارنة بين ما هو موجود في السعودية مع ما يناظره في المنطقة، ولمعرفة ما تفتقر إليه في هذا الميدان.

والواقع أن معظم دور الصحافة العربية الكبرى تتوافر على مراكز تتفاوت من حيث الحجم لخدمة أغراضها الصحافية، لكن «الأهرام» المصرية بسبب من عراقتها وإمكاناتها البشرية المعروفة، ربما تكون الأشهر في هذا المجال، حيث لم تقتصر على عملية التكشيف والفهرسة لأعدادها التي تعود إلى عام 1875م، لكنها تميّزت بجمع الملايين خلال السنين من الصور والمعلومات، ثم أضافت إلى ذلك في عام 1968م وظيفةً جديدة هي الدراسات السياسية والاستراتيجية، حتى لكأن الوظيفة الأخيرة (وهي عبارة عن مركز للبحوث) صارت الأشهر في الوقت الحاضر والأقرب إلى أذهان النخب الثقافية والأكاديمية.

قد تكون الميزة والعيب معا في مركز الأهرام هي في «تخمة» الموظفين، وهي على العموم ضرورة تفرضها ظروف المؤسسة التي تنتمي إلى الأجهزة القومية المصرية منذ الثورة، لكن ثراء المركز بالموظفين يبقيه مع ذلك مصدرا للخبرة المتراكمة التي تمد دور الصحافة العربية باحتياجاتها في مجال التوثيق والفهرسة ونحوهما، كما يبقى «مركز الأهرام» الأبرز والأثرى مقارنة بغيره من مراكز المعلومات المصرية والعربية.

أما «مركز الإمارات» في أبوظبي، فهو صنف آخر من تلك المراكز، ذلك أنه - كما هو واضح من عنوانه - مركز فكري، وبيت خبرة للدراسات السياسية والاستراتيجية، وقد تصدّى للعشرات من القضايا التي تخدم وزارات التنمية والدوائر السياسية ومراكز صنع القرار في الدولة، ويعمل على نشر الكثير من دراساته التي لا تحمل الطابع السري مما قد يضطلع بها أو تطلب منه بين حين وآخر، والمركز فضلا عما يمتاز به من ألَق المكان من حيث التصميم وبهاء المرافق المكتبية، يعتمد كثيرا على جهود أعضاء هيئة التدريس والمتخصصين بالتعاقد معهم، وينشر المئات من الإصدارات بطباعة فاخرة أنيقة، مما جعله علامة ثقافية مضيئة في سماء منطقة الخليج في مجال تخصصه.

بقي أن يُشار إلى أن بصمات أساتذة كبار من أمثال الدكتور عبد المنعم سعيد في علاقته السابقة مع «مركز الأهرام»، والدكتور جمال سند السويدي في إشرافه على «مركز الإمارات»، كانت مما لا تخطئها أعين الزائرين لهذين المركزين، العاملَين بجد في زمن يضيع معظمه في تفاهات القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي.

* باحث وإعلامي سعودي