سوريا تموت!

TT

مع الانغماس المهول والكبير في الجوانب العسكرية والسياسية المتعلقة بالثورة السورية الكبرى على نظام الطاغية بشار الأسد والتي تخطت عامها الثاني، وسقط أكثر من مائة ألف قتيل على أيدي جيش الأسد الدموي، مع كل هذا الانغماس والتفاصيل الكثيرة عن مؤتمرات وائتلافات وثوار وكتائب ومرتزقة وتمويل ودعم وتناحر واستقطاب دولي وهوس طائفي مجنون.. كل ذلك وأكثر يحدث وسط إهمال كامل للأزمة الإنسانية الهائلة التي تشهدها الأرض السورية في مختلف قراها ومدنها. فها هي مدينة حمص المهمة يفتي فيها بعض علماء المسلمين بجواز أكل لحوم القطط إذا اقتضت الحاجة والضرورة لذلك، في إشارة واضحة وبالغة الدلالة على المستوى الخطير الذي وصل إليه الحال المعيشي في حمص تحديدا، وفي سائر سوريا عموما.

الجرحى عددهم عشرات الآلاف، وهناك نقص لا يمكن تصديقه في المعدات الطبية والأدوية، ولكن الأخطر أن نظام الأسد الدموي كان يتعمد استهداف كل المشافي والعيادات الصحية وكذلك قتل الأطباء والكادر التمريضي وإصابتهم إصابات بالغة. الوضع الصحي في منتهى السوء، وقد تحدثت مع بعض الأشخاص المتخصصين في الإغاثة الطبية والذين زاروا سوريا أخيرا وحكوا عن تجارب ومشاهد لا يمكن وصفها.. أجروا عمليات جراحية بلا تعقيم ولا تخدير ولا إضاءة، طب بدائي وإصابات وإعاقات وتشوهات مرعبة. كلها أدلة دامغة على جرم نظام الأسد الهائل في حق السوريين. ولم يتوقف الأمر على ذلك ولكن حال المواد الغذائية لا يقل سوءا، فسوريا البلد الزراعي يعاني شعبه من نقص حاد جدا في الخضراوات والفواكه والقمح بكافة أشكاله ولم يعد من الممكن الوصول إلى المحاصيل ولا توزيعها، فحصلت الأزمة الكارثية ووصلت أسعار أبسط السلع الزراعية إلى معدلات قياسية وغير مسبوقة، طال ذلك أيضا انهيار كامل في قيمة الليرة السورية في مواجهة الدولار الأميركي، وارتفعت بالتالي أسعار السلع إلى معدلات مرعبة ولم يعد بمقدور الناس شراء السلع إن وجدت بعد تهريبها ووصولها بشكل شبه إعجازي إلى نقاط البيع.

التعليم وحرمان جيل كامل منه أيضا تحد هائل، فهناك يوجد أكثر من مليونين ونصف المليون طفل محرومون من حق التعلم والتعليم بسبب عدم وجود مدارس ولا كتب ولا مدرسين، وهذا بطبيعة الحال سيكون له نتائج وتبعات هائلة لا يمكن معرفتها اليوم ولكنها حتما ستتبين مع الوقت ومرور الأيام. وطبعا هناك الحديث المستمر عن حالة وضع اللاجئين الذين يزداد وضعهم سوءا، ومن المرشح أن تكون الحالة الأسوأ في تاريخ اللاجئين بحسب منظمات سياسية كثيرة أدلت بهذا الرأي. هناك خلل كبير في وصول المعونات والدعم المادي الخيري لأن النظام المجرم يمنع بالقوة وصول أي مواد وسلع وأجهزة إغاثية لشعبه ويخطفها ليوزعها لصالح «الشبيحة» من داعمين ومؤيدين. هناك حاجة ماسة لإعلان حالة طوارئ في المناطق المحررة. الصمت الهائل من قبل المؤسسات الإغاثية الدولية كالأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر وأطباء بلا حدود يبدو غريبا ومريبا، وكأن هناك إسكاتا دوليا بالقوة للسماح للنظام الدموي بتحقيق أكبر قدر من المكاسب على الأرض، ويبدو أن ذلك يتناغم تماما مع جهود اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس الذي لا يزال مقتنعا بأن بقاء نظام الأسد هو لصالح الأمن الإسرائيلي وحماية لدولة إسرائيل، ونجح في إقناع الكونغرس برفض قرار أوباما تسليح الثورة السورية. ولكن الوضع الإنساني لسوريا مسألة أخرى، مع الأسف يبدو أن الضمير قد مات في الناس التي تتغنى بغوث الإنسان.. سوريا ببساطة تموت!