استقواء بالخارج

TT

اسمحوا لي أنا أيضا أن أستقوي بالخارج، بجهة محددة هي هيئة الصحة العالمية بعد أن أعاقت ظروف سياسية وزارة الصحة المصرية من التقدم لحل المشكلة موضوع شكواي واستقوائي. هناك عدد من البشر يقدر بعشرات الألوف من الرجال والنساء والأطفال يقيمون في بقعة من الأرض في مدينة نصر وهي ليست مدينة كما توحي الكلمة بل هي أحد أحياء العاصمة المصرية، يقيمون في الشارع الرئيس والشوارع المحيطة بمسجد رابعة العدوية، والشوارع والميادين ليست مخصصة أصلا لإقامة البشر، فعلى أقل تقدير هم في حاجة لشبكة صرف صحي وحمامات وبيوت راحة يقضون فيها حاجتهم، كما أنهم في حاجة إلى مصادر للمياه النظيفة للاغتسال في صيف القاهرة الشديد الحرارة. لست أتكلم عن احتياجات البشر الأخرى فهي ليست داخلة في اختصاصكم، أنا أتكلم عن أوجه النقص التي تنتج عنها أمراض بسبب غياب النظافة وانتشار القذارة في الحي كله، بعد أن حولت الناس كل الشوارع المحيطة إلى حمامات، بمعنى أدق، بيوت راحة يرتاحون هم فيها ويسببون القلق لبقية سكان الحي على الأقل بسبب الروائح المنبعثة في هذا الحي الذي كان نظيفا يوما ما. ولقد عرفت من الجرائد أن المسؤولين عن هذا الحشد أقاموا خمسين دورة مياه في المكان ولكن ماذا يفعل هذا العدد الضئيل لعشرات الألوف من البشر؟ من الطبيعي أن يستكملوه بالشوارع المحيطة.

هؤلاء الناس جاء بهم زعماء جماعة الإخوان للاعتصام في المكان بعد أن أفهموهم أنهم في مهمة دينية جهادية، وأن عليهم أن يظلوا في المكان إلى أن ترضخ الحكومة المصرية لطلبهم وهو عودة الرئيس المعزول إلى منصبه كرئيس لشعب يكرهه. مما سمعنا، وليس لديّ عليه دليل، أن هؤلاء الناس عاجزون عن العودة إلى مدنهم وقراهم بعد أن احتجز زعماء الجماعة بطاقات هوياتهم بدعوى أنها ضرورية لصرف مستحقاتهم التي وعدوهم بها. أعتقد أن هذه الحكاية تفسر العثور على عدد كبير من القتلى مجهولي الهوية في أحداث الهجوم على الحرس الجمهوري.. سمعنا عن انتشار الأمراض بين هؤلاء البشر، أما ما جعلني ألجأ إليكم وأستقوي بكم فهو أنني سمعت أن الإصابات بمرض الجرب اللعين بدأت تتفشى فيهم. إنني أشعر بالهلع لمجرد التفكير في أن هؤلاء الناس سيعودون إلى قراهم وهم يحملون على أجسادهم هذا المرض.

إنني أناشد أيضا الشبان من أطباء الجماعة وأقول لهم: لكم خدمات مشكورة وجليلة قمتم بها داخل مصر وخارجها، لا ينكر قوافلكم الطبية إلا جاحد غير منصف، إنني أطلب منكم أن تتدخلوا فورا لتقديم المساعدة الطبية لهؤلاء الناس، فهذا الأمر متاح لكم. لقد علمتني الأيام أن الإنسان لا يتبقى له سوى مهنته، وأنا أستحلفكم بشرف المهنة، أن تفكروا في مهنتكم.. الجماعة كنظام سياسي حاكم غادرت مصر ورحلت عن التاريخ، ولن يتبقى لكل منكم إلا شرفه الشخصي الذي يحتم عليه ممارسة مهنته لعلاج وإنقاذ هؤلاء الناس. أذكركم أننا نعمل مع البشر وعند البشر بوصفهم بشرا وليس بوصفهم مجاهدين في حرب دينية. نتعامل معهم كمواطنين في وطن لا كأعضاء في حزب أو جماعة. حياة البشر أكثر قداسة من تعليمات كل قادة جماعات وأحزاب الأرض، فاستمعوا إلى ضمائركم فقط.. لبوا نداء شرف المهنة.