أمة في الاتجاه المعاكس

TT

لا شك أن «الاتجاه المعاكس» من أكثر البرامج مشاهدة. بل ربما كان في بداياته الأكثر مشاهدة. وصيغة البرنامج وفكرته مألوفتان في الغرب، حيث يتقابل ممثلون عن الأحزاب المختلفة ويدافعون عن وجهات نظرهم. لكن المشكلة في «الاتجاه المعاكس»، منذ اللحظة الأولى، لم تكن في صاحبه، فهو كثير الاطلاع ويعرف سلفا الأفكار التي سيعبر عنها ضيوفه. المشكلة كانت، ولا تزال، في الضيوف وفي أفكارهم وفي طريقة التعبير عنها.

الأفكار، مهما كانت، خاضعة لمبدأ التبادل الحر. لكن في الحلقات الأخيرة من «الاتجاه المعاكس» كان السجال يتحول إلى مصارعة حرة وضرب بالكبايات وتبادل اللكمات. بالإضافة دائما إلى نوع من السب والشتم كان يسمع في الماضي في بعض أزقة بيروت. هل حضرتك مفاجأ؟ هل الزميل فيصل القاسم مفاجأ؟ لا أعتقد. فهو بالتأكيد يدرس سيرة ضيوفه وسلوكهم قبل أن يوجه إليهم الدعوة، مجردين، والحمد لله، من السلاح. ولذا لا يبقى لأي هؤلاء السادة سوى كؤوس المياه، يرشها صاحبها في الاتجاه المعاكس، ويرفقها بالسيل الآخر.. سيل الشتائم.

النوع الأكثر أدبا من الضيوف لا يكتفي برش المياه، بل يقوم إلى محاوره (من حوار) ويوسعه ضربا وشتما عرضا وطولا. وباعتباره حكما موضوعيا يناشد القاسم الهاجم والمهجوم عليه: «بلاش يا شباب.. بس يا شباب». والشباب «لا يبسان». ضرب ولَكْم وشتم وتنطفئ الأضواء على الجمهور بينما يتمتع القاسم وحده ببقية الوصلة الأدبية بين رجال النخبة في العالم العربي، ومحامي القضايا الوطنية والعادلة.

لا يحق لي الكتابة عن «الاتجاه المعاكس» لأنني لست من مشاهديه. وبصراحة وصدق، أنا أضعف من تحمل هذا النوع من الفكر. وما أتناوله من مسكنات ليس مصنوعا لتحمل بعض الضيوف. وبالتالي لست مؤهلا للنقد. لكن كلما خطر لي أن أشاهد حلقة لسبب من الأسباب، تطلع لي في نهايتها حفلة مصارعة حرة. ولطالما كتبت لجنابكم عن مدى حساسيتي من المصارعات. وأنا لم أحب محمد علي كلاي كضربة قاضية وإنما كإنسان كبير وسيرة إنسانية، عنوانها قوة الضعف لا طغيان القوة.

تبدأ برامج العنف عادة بتحذير إلى ذوي القلوب الضعيفة. وبما أن بعض الملاكمين والشتامين يتكررون في «الاتجاه المعاكس»، ويعرف المضيف تماما بأي خلق سوف يتصرفون، فالرجاء جعل التحذير إلزاميا. لا شك أن البرنامج فقد شيئا من سحره، فالذين يحبون المبارزات اللفظية والجسدية، يجدونها الآن في نشرات الأخبار. لم يعد هناك شيء غريب في هذه الأمة. كلها في الاتجاه المعاكس لمسار الأمم.