تأرجح سياسة الإدارة الأميركية

TT

ما زالت استطلاعات الرأي تشير إلى هبوط شعبية الرئيس الأميركي باراك أوباما، في إشارة إلى أن حالة الركود التي تشهدها فترة ولايته الثانية قد تزداد سوءا، ولا سيما في ضوء عدم وجود انجاز تشريعي واحد. وأظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك أن شعبية أوباما قد تراجعت إلى ما بين 44 و48 في المائة، في حين وصل رضا الأميركيين عن أدائه في مجال السياسة الخارجية إلى ما يتراوح بين 40 و52 في المائة، وهو المعدل الأسوأ في هذا الاستطلاع حتى الآن. كما أشار الاستطلاع إلى أن شعبية الرئيس الأميركي المحلية فيما يتعلق بملف الهجرة قد تراجعت إلى ما يتراوح بين 41 و50 في المائة، مقابل ما يتراوح بين 41 و55 في المائة في ملف الاقتصاد، وهو أيضا معدل رديء.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو تراجع مكانة أوباما بين الناخبين المستقلين؛ ففي شهر أبريل (نيسان) الماضي، وصلت شعبية أوباما إلى ما يتراوح بين 45 و49 في المائة، وكانت أصوات المستقلين المؤيدين لأوباما تتراوح بين 44 و46 في المائة من إجمالي هذه النسبة، أما في الوقت الحالي فقد وصلت النسبة المعارضة لأوباما ضمن المجموعة نفسها إلى ما يتراوح بين 36 و53 في المائة.

وفي الحقيقة، لم يكن هناك ما يثير الدهشة في ذلك، بالنظر إلى أن أوباما لم يحقق أي شيء جدير بالملاحظة خلال فترة ولايته الثانية، علاوة على شعوره بالارتباك من عدم القدرة على تمرير قانون «أوباما كير» الخاص بالتأمين الصحي، في الوقت المناسب، ووُجد أنه كان يبالغ كثيرا في تداعيات عدم تمرير هذا القانون. وعلى عكس معظم الرؤساء الذين غالبا ما يستغلون فترة ولايتهم الثانية لتحقيق انجازات في مجال السياسة الخارجية، تعاني السياسة الخارجية لأوباما من حالة من التخبط والتردد، ولدى المصوتين كل الحق في إدراك أن الأمور تزداد سوءا، فقد أدلى أوباما بخطاب عرضي (على سبيل المثال في برلين بشأن نزع السلاح من جانب واحد، ليعلن عن خط أحمر)، ولكن كلماته تذهب أدراج الرياح، وهو ما يدل على عدم وجود سياسة معينة لتنفيذها.

وفي الوقت نفسه، بدأت الأحداث تدور وكأنها دوامة من حوله، ويبدو أن جهاز السياسة الخارجية مصمم على ما يبدو على تجنب أي صراع بأي ثمن، والنتيجة هي أن الخصوم العدوانيين بدأوا يتحركون كالخفافيش من حولنا، وهو ما يظهرنا في موقف ضعف. وأعتقد أن هذا قد حدث منذ أن قرر الرئيس بذل قصارى جهده لإيقاف التصرف الأميركي أحادي الجانب وعدم الاعتماد على القوة الصارمة، والحاجة إلى تصعيد دور المؤسسات الدولية لصنع القرار إلى هيئات مثل الأمم المتحدة، وكانت النتائج غير جيدة، كما هو متوقع بالطبع.

إن نوايا أوباما لخوض حملة لإصلاح الهجرة لهي تذكار بالكثير من الحملات الأخرى التي استهدفت حشد الدعم ضد الجمهوريين. لكنه لم يتمكن في أي من الأمور الأخرى كالأسلحة والضرائب ومصادرة الممتلكات من تغيير الرأي العام أو التأثير على التشريع. قد يستطيع الرئيس الأميركي أن يلقي عشرة خطابات حماسية أخرى لكنها لن تعطي مشروع القانون شعبية أو تنجح في تهدئة الغضب بشأن التطبيق التدريجي لقانون يعد له منذ سنوات.

في هذه الأثناء، يعاني الاقتصاد حالة من التدهور فأوردت صحيفة «وول ستريت جورنال»: «ربما تكون سرعة الاقتصاد الوطني قد تراجعت بنسبة 1 في المائة في الربع الثاني من العام، بحسب العديد من الاقتصاديين، بعد تراجع مخزون تجار الجملة في مايو (أيار)».

الخبر السار هو أنه سيكون من الصعب تصور أن يتحلى الرئيس أوباما بالجاذبية السياسية الكافية لتمرير أي قانون ذي أثر أكثر تدميرا. وأوباما الضعيف وغير الكفؤ قد يرسم البسمة على وجوه صناع القرار الاقتصادي في الداخل وللجمهوريين، ولكن هذا مثار قلق كبير عندما يتعلق بالأمن القومي. ومن المثير للتشويق أنه منذ تولي أوباما الرئاسة، أصبح بمقدور خصوم الولايات المتحدة وحلفاءها أن يروا أنه ومساعديه تولوا أمرا يفوق قدراتهم في التعامل معه.

* خدمة «واشنطن بوست»