سارقو الفرحة!!

TT

الواقع كان أسرع من خيال صُناع الدراما ومقدمي البرامج، وهكذا جاء 30 يونيو (حزيران) ليغير وجه مصر السياسي، الحقيقة أن هذا التغيير حمل أيضا وكالعادة توجها ثقافيا وإبداعيا وفكريا، عدد كبير من المسلسلات والبرامج كانت تضع في قمة أهدافها انتقاد توجه الإخوان قبل أن يغادروا الحكم.. ولهذا اضطرت الكثير من البرامج أن تضع يافطة مكتوبا عليها أنها سجلت قبل 30 يونيو، أما الدراما التي كانت تبدو كأن بعضها أقرب إلى الارتجال ويتم تصويرها على الهواء فلقد تم استدعاء عدد من الممثلين لكي يعيدوا مرة أخرى تسجيل أو إضافة أجزاء من أدوارهم لتتناسب مع الواقع السياسي الجديد.

الوجه الآخر للصورة وهو الاستعداد النفسي للمشاهد الذي تعود أن يمنح نفسه تماما للشاشة الصغيرة في رمضان، ويضبط مواعيده في الحياة على توقيت عرض هذا البرنامج أو ذاك المسلسل، هل لا يزال المشاهد بعد 30 يونيو مخلصا تماما للتلفزيون؟

رمضان هذا العام حالة استثنائية، لم تعد خريطة الشاشة الصغيرة وحدها تستحوذ على الناس لأن هناك فعاليات أكثر سخونة في الكثير من الميادين في «رابعة العدوية» و«النهضة» حيث أنصار مرسي بينما «التحرير» و«الاتحادية» معقل مؤيدي ثورة 30 يونيو، الأمر لم يكن سلميا تماما بل شاهدنا دماء مصرية أريقت وليس مهما في هذه الحالة أن نقول: إنها إخوانية أو ليبرالية تجرد أو تمرد إنها فقط دماء مصرية.

رمضان له طقوسه الخاصة جدا في الشارع، واستطاع المصريون برغم كل ما يحيط بهم أن يستمتعوا بنفحات رمضانية، محاولات المصالحة الوطنية لكي يجتمع الفرقاء على مائدة إفطار واحدة لم تسفر عن نجاح، واختلط كل ذلك بحالة الشاشة الصغيرة، المسلسلات التي تنتقد التيار الإسلامي كانت قد صورت في زمن مرسي وقد يراها البعض دلالة على أن النظام الإخواني لم يكن يميل إلى تقييد الحرية بدليل سماحه بعرضها، إلا أن الحقيقة هي أن الدولة كانت قبضتها رخوة، لديها خطة عبر عنها د. مرسي أكثر من مرة لتطهير الإعلام الذي يعني في عرف السلطة الحاكمة إحكام الضغط الرقابي ولكن ما كان يعيق تنفيذ ذلك هو تلاشي القدرة، الدولة لم تكن تملك المنع لأن هذا زمن انتهى، كما أن الدولة الإخوانية كانت تدرك أن الإعلام في قسط وافر منه سوف يفتح عليها النيران لو لوحت بالمصادرة، وهكذا ظل المنع رغبة مستحيلة التحقق.

ويبقى الوجه الآخر للصورة أنه المشاهد الذي كان يشعر بجرأة مقدم البرامج أو كاتب الدراما وهو ينتقد ليس فقط الإخوان ولكن يتوجه مباشرة إلى رئيس الجمهورية باستخدام بعض مفردات ارتبطت به مثل أصابع وقرد و«دونت ميكس» وغيرها، هل هذا المشاهد بعد أن تم إزاحة الإخوان عن المشهد وانتقلوا من حكومة تملك كل شيء إلى المعارضة فقدت في لحظات كل شيء، هل لا يزال المشاهد يضحك على نفس المفردات أم أن هناك تغييرا في أسلوب التلقي؟

كثيرا ما سخر الكثير من المذيعين وعدد من الأعمال الدرامية من مرسي وأهله وعشيرته وهم في السلطة، فهل من الممكن بعد أن صار مرسي رئيسا معزولا بلا حول ولا قوة أن تتواصل السخرية؟

سيكولوجية الضحك تحول دون تحقيق ذلك، الناس لديها استعداد لكي تعلو بضحكة مجلجلة ضد الحاكم وهو ممسك بمقاليد السلطة، ولكن بعد أن أجبر عن الترجل بعيدا عن الحكم تموت الضحكات، وهذا هو المأزق الذي تعيشه الكثير من الأعمال الدرامية والبرامج التي نتابعها الآن، ورغم ذلك فلا يزال المشاهد يحاول أن يصنع حينا ويسرق حينا الفرحة!!