إعلام السوقية... والعنف

TT

لم تخرج سقطة قناة «أون تي في» الأسبوع الماضي عن سياق الجنوح المخيب الذي يغرق فيه ما يسمى الإعلام الليبرالي في مصر. وليس إقدام مذيع في القناة على استخدام عبارات سوقية مبتذلة والتحريض مباشرة على العنف ضد «بعض السوريين» في مصر كما قال - سوى نذر من المشهد الإعلامي الزاخر اليوم بتبجيل الجيش والشيطنة اللامحدودة لـ«الإخوان» والتحريض على جمهورهم، بل واستخدام نفس لغتهم من حيث التكفير والحض على الإلغاء..

يقدم هؤلاء على تلك اللغة والممارسة تحت مزاعم أنهم يدافعون عن الحرية وعن مصر وأنهم لا يقبلون لومة لائم في هدفهم هذا..

فجأة، بات يبرر «مفوهو» ما يسمى بإعلام حر وليبرالي اللغة التحريضية التي يستخدمونها بأنها Advocacy Media أو إعلام حقوقي، وهذا ما يضاعف رثاثة الحال.

لعل من أفدح أثمان المشهد الإعلامي المصري الحالي هو أن كثيرين سيتذكرون لفترة طويلة مذيع «أون تي في» مقرعا سوريي مصر ومسائلا لهم عن «ذكورتهم» في عدم مجابهتهم الطغيان في بلادهم وإقدامهم على دعم «الإخوان» في مصر وتحذيرهم بأنهم سينالون «قفا» وفق ما تقتضيه الرجولة المصرية وليس وفق القانون على ما قال المذيع نفسه.

علق كلام المذيع في الأذهان، مسقطا من الذاكرة نفسها عشرات الصور والفيديوهات التي تصدرها وجوه الإعلام الإخواني في التحريض على العنف وفي ممارسته في الشوارع..

إنه منطق الربح والخسارة مقترنا بمنطق الصورة.. اليوم، خسر الإخوان المسلمون، وسنبقى نختلف كثيرا حول دور الجيش في هذا الأمر، لكن الأكيد أن من باتوا في الكفة الرابحة في الإعلام المصري يمارسون العسف نفسه الذي فعله «الإخوان» تحت شعار أنهم ليبراليون..

في سوريا، محت صورة «أبو صقار» آكل كبد الجندي السوري آلاف الصور والفيديوهات التي وثقت موت وعذابات آلاف السوريين والسوريات.. اليوم، تمحي الخطبة القصيرة المتلفزة للمذيع «الليبرالي» وتحريضه الذكوري الممجوج ارتكابات الإخوان المسلمين والفيديوهات الكثيرة التي أبدع في تظهيرها ونقدها شخص واحد فقط هو باسم يوسف..

كثيرون يجادلون أن فعلة المذيع وكثيرين غيره، سواء في كيل المدائح للجيش بصفته خشبة الخلاص من ظلامة «الإخوان» أو في استخدام لغة عنفية تحريضية، هي نتاج ما فعله «الإخوان» وأن «الإخوان» كانوا سيفعلون أسوأ من ذلك لو هم بقوا في السلطة.. للحقيقة، فإن هذا المنطق مردود على مطلقيه، إذ إن استنساخ أدوات الإلغاء والإقصاء نفسها يسقط عن معتمديها الظلامة التي كانت لحقت بهم أول الأمر ويجردهم من أي أسباب تخفيفية توهموا أنهم يستحقونها لأنهم ضد ما ارتكبه الإخوان المسلمون..

ما ارتكبه الإخوان المسلمون خلال العام الماضي في السياسة والأمن والإعلام والأخلاق يجب أن يحاكم، وما يرتكب اليوم باسم الحرية وباسم الانتفاض على عسف «الإخوان» يجب أن يعامل بالمعيار نفسه.. وشحن الإعلام بالأخلاق والمهنية والمعايير السياسية العالية أمر يجب أن يكون غير قابل للمساومة، ومن لا يفعل ذلك فقد سقط، وبكل وعي، في فخ الضمير الملوث..

diana@ asharqalawsat.com