سوريون في سياسة مصر

TT

تبدو الإجراءات المصرية بطلب الفيزا المسبقة للسوريين نقطة تحول في العلاقات بين السوريين ومصر، إذ هي تعكس تغييرا في سلوك الدولة المصرية في تعاملها مع عموم العرب، ومع السوريين بصفة خاصة.

وخصوصية تعامل الدولة المصرية مع السوريين لا تستمد من وضعهم الراهن، إذ هم بحاجة إلى بلد مثل مصر يلوذون به في ظل حرب النظام الحاكم في دمشق عليهم، إنما تعود الخصوصية أيضا إلى العلاقة التاريخية التي ربطت مصر وسوريا، والتي في تفاصيلها أن البلدين والشعبين تشاركا في صنع أول تجربة عربية وحدوية جمعتهما في الفترة ما بين (1958 - 1961)، وكله يضاف إلى عامل ثالث أساسه أن مصر هي أكبر الدول العربية ومسؤوليتها إزاء العرب قائمة مهما شهدت من تبدلات وتطورات تتعلق بأوضاعها الداخلية وعلاقاتها الخارجية.

وبالاستناد إلى العوامل الثلاثة السابقة يمكن فهم الموقف الذي اتخذته مصر في الموقف من دخول السوريين إليها، إذ هي استمرت في فتح أبواب مصر أمام تدفق السوريين ومنحهم تسهيلات في الدخول والإقامة والمغادرة، والعمل والاستثمار، إضافة إلى مزايا أخرى تتعلق باستفادة السوريين من خدمات الدولة المصرية، ومنها التعليم والصحة، مما جعل المزايا الممنوحة للسوريين تفوق ما يحصل عليه غيرهم، ولم تقتصر تلك الإجراءات على السوريين الهاربين من بطش النظام، وإنما شملت الآخرين بمن فيهم مؤيدو النظام الذين كان لهم دور سلبي لجهة المساهمة في الفوضى القائمة والاستفادة منها للإساءة للسوريين في مصر ولمصر ذاتها.

ولم يقتصر الدور السلبي على مؤيدي النظام في تأثيرهم على الوجود السوري في مصر، بل شمل أشخاصا زجوا بأنفسهم في غمرة الصراعات المصرية بين النظام ومعارضيه.

ورغم محدودية عدد هؤلاء، فقد استغلوا في الأزمة الأخيرة ليكونوا في حيثيات الموقف المعادي لوجود وعيش السوريين في مصر، والذي أثارته مجموعات من الفلول وشاركت في إذكائه بعض مراكز في النظام للقول إن ثمة «عوامل خارجية» تدفع إلى تصعيد الأزمة القائمة في مصر، رغم أنه لا يمكن رؤية هذا التطور في الموقف المصري من السوريين معزولا عن مواقف وسياسات النظام الحاكم في دمشق، وقد سعى باستمرار إلى إرباك تلك العلاقة، كما عمل على تفجيرها مستغلا كل الظروف والإمكانات، ومن بينها وجود أعداد كبيرة من مؤيديه المقيمين في مصر، وهو أمر كان ظاهرا ومكشوفا باستمرار.

لقد تفاعلت عوامل مختلفة في تطوير موقف ملتبس حيال الوجود السوري في مصر، كان من بين تعبيراته قرار السلطات المصرية بضرورة حصول السوريين على فيزا مسبقة للدخول إلى مصر، ومن التعبيرات الأخرى حملة في بعض وسائل الإعلام ضد السوريين، ومثلها تعميم إشاعات من قبل بعض الجماعات السياسية في الوسط الشعبي عن دور للسوريين في الأحداث الأخيرة، رغم أن الوقائع الظاهرة لم تقدم أي دلائل مادية عن دور خطر للسوريين في الأحداث.

وإذا كانت حيثيات الموقف السابق تسيء للسوريين في مصر وتجعل إقامتهم في مصر وحركتهم أصعب في اتجاهها وإليها، وتسمم أجواء العلاقات المصرية مع السوريين، فإنها في الوقت نفسه تترك آثارها السلبية على مصر وعلى المصريين أيضا، إذ تضرب في الصميم علاقات مصر ودورها العربي، والتي كانت فيها على مدار العهود حاضنة العرب في أشواط حياتهم المختلفة، كما تترك آثارا اقتصادية على الاستثمار في مصر، ذلك أن بعض الوافدين السوريين في العامين الأخيرين شكلوا الكتلة الأهم من أصحاب الاستثمارات الخارجية في الاقتصاد المصري.

وتمثل العوامل السابقة كلها دوافع حقيقية من أجل موقف مصري أكثر إيجابية من وجود السوريين في مصر وعلاقتهم معها، وهو أمر صدرت فيه تصريحات مصرية عن حلحلة قريبة في موضوع فيزا دخول السوريين، وتوجها للعمل على وقف حملات بعض وسائل الاعلام والاشاعات حيال السوريين، غير أنه وبالتوازي مع التوجهات المصرية، ينبغي تعزيز التوجهات السورية في الابتعاد عن أية تدخلات في الأمور السياسية المحلية والصراعات الجارية فيها وحولها، حتى يكون السوريين، كما كانوا دائماً عنصراً مساعداً في استقرار مصر وداعماً لمساعيها في الخروج من اشكالات وضعها الحالي.

إن مصر اليوم في الموقف من الوضع السوري، تقف أمام تحدي عمقها ودورها العربي، وهي امام واحد من محتويات ثورة شعبها من أجل الحرية والكرامة، وهي تقف امام مصالح مصر وشعب مصر. وواجب السوريين والعرب عامة، أن يساعدوا مصر في اتخاذ موقف حقيقي وجدي يعزز علاقات مصر مع محيطها العربي، انطلاقاً من تعاملها الإيجابي مع حضور ودخول السوريين إلى مصر ورفع كل القيود في هذا المجال.