هل يستطيع روحاني أن يحقق أي تقدم تجاه دول الخليج؟

TT

حين سُئل الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني عن طبيعة سياسته القادمة تجاه دول الجوار، أجاب بأن من أولويات حكومته في السياسة الخارجية هي تعزيز علاقات الصداقة مع جميع دول الجوار. ولم يكتف روحاني بذلك فحسب، بل خصص لدول الخليج العربي مساحة في حديثه معتبرا أنها ليست دولا جارة فحسب، بل إنها دول شقيقة بالنسبة لإيران. يختتم روحاني بقوله «ستكون للحكومة علاقات جيدة بدول الجوار وخاصة السعودية».

لا يختلف اثنان على أن هذه التصريحات مشجعة للغاية بعد الثماني سنوات العجاف التي جاءت بها الراديكالية النجادية. غير أن هناك من يرى أنه لا جدوى من ذلك فالمرشد هو الوحيد من لديه القرار. في المقابل يأتي حسن روحاني ليرد بمنطقية حول هذا الادعاء بقوله «إذا كان الأمر على هذه الشاكلة، فلماذا لاحظنا تباينا في السياسات الخارجية بين فترتي أحمدي نجاد وفترة خاتمي ورفسنجاني». والحق يقال: إنه رد مقنع للغاية يوحي في نهاية المطاف بأن الرئيس الإيراني يلعب دورا في السياسة الخارجية لإيران. ولكن مهلا، هل يُؤخذ هذا الأمر على شاكلته هذه، أم أن هناك جوانب أخرى يجب مراعاتها؟

للوقوف على مدى إمكانية تحقيق ما يتطلع له روحاني مع دول الخليج العربي، فإنه يتعين بداية معرفة مكانة السلطة التنفيذية التي سيأتي روحاني على رأسها داخل مجرة النظام الإيراني. أما الجانب الآخر المهم فهو دراسة الوضع الإقليمي ومدى تأثيره على السياسة الخارجية الإيرانية.

فإذا أردنا أن نضع مكانة حسن روحاني في تلك المجرة، فإنه يأتي من الناحية الدستورية بوصفه الرجل الثاني في النظام. ولكن على أرض الواقع تقترب الكثير من المؤسسات سواء الدستورية (البرلمان، مجلس صيانة الدستور، مجلس الأمن القومي،.. إلخ) أو غير الدستورية (مكتب المرشد، المؤسسة الدينية، البازار،... إلخ) من مركز مجرة النظام الإيراني (المرشد) لتدفع بالتالي السلطة التنفيذية ورئيسها لتدور بعيدا في مدارها عن مركز المجرة. ويعود مدى التزام أو عدم التزام الرئيس بتوجهات ورؤى المرشد إما ليعزز موقفه ويقترب من مركز المجرة، أو يظل بعيدا عنها. خير دليل على هذا الأمر مكانة نجاد من مركز مجرة النظام الإيراني في فترة رئاسته الأولى ودوره الحيوي في الملف النووي، ولاحقا دفعه بعيدا عن المجرة في فترة رئاسته الثانية نظرا لتحديه النظام الإيراني واعتباره خطرا عليه، ليصرح نجاد أنه ظل منذ فترة ليست قصيرة بعيدا عن الملف النووي.

ننتقل مع القارئ للجانب الآخر وهو الوضع الإقليمي لنسأل أنفسنا هل التجاذبات والقضايا الإقليمية تأتي بوصفها بيئة طاردة أم جاذبة لتعزيز العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي؟

الجزر الإماراتية المحتلة والتعنت الإيراني رغم الجهود الدبلوماسية والسلمية التي تنتهجها دولة الإمارات لحل هذه القضية. التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول الخليج، واعتبار وجود قوات درع الخليج في البحرين احتلالا. استمرار اكتشاف خلايا التجسس المرتبطة بالنظام الإيراني في دول الخليج. التصريحات العدائية من مختلف المسؤولين الإيرانيين يقابلها بيانات رسمية من دول مجلس التعاون، تدعو إيران إلى احترام حسن الجوار والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج. التباين الجذري حول ما يجري في سوريا بين دول الخليج وإيران. جميع ما سلف وغيره يعطي مؤشرا على أن الأرضية ليست مهيأة لعودة تلك العلاقات. ولكن روحاني وعد بذلك فهل يمكنه تحقيق ذلك؟

فيما يتعلق بقربه من مجرة النظام الإيراني كل المؤشرات تؤكد على ذلك. فبعد إعلان النتائج استقبل المرشد حسن روحاني وطالب جميع المؤسسات بالتعاون معه، فهو الذي ظل لسنوات ممثلا للمرشد في مجلس الأمن القومي. تبقى إذن القضايا ذات العلاقة بين دول الخليج وإيران وكذلك البيئة الإقليمية فهل الاستراتيجية الإيرانية بدأت بإعادة حساباتها؟

سيأتي السيناريو على النحو التالي: يأتي روحاني لزيارة دول الخليج مغلفا تلك الزيارات بتصريحات دبلوماسية تبعث على التفاؤل يعود بعدها إلى إيران ليصطدم بمؤسسات أخرى تبعثر تلك التصريحات في الهواء. وإما أن يأتي روحاني بأجندة النظام الإيراني الذي ارتأى تغييرا في نهج سياسته الخارجية وبالتالي إعطاء مزيد من المصداقية لتلك الزيارات وتحويلها إلى واقع. ومع كل التقدير لمكانة السلطة التنفيذية في النظام الإيراني، لنعلم يقينا أن أي تغيير سيطرأ في سياسة إيران في الفترة المقبلة، ليس نتيجة وعود روحاني، وإنما لأن النظام الإيراني بكل مؤسساته الصانعة للقرار ومركز مجرته المتخذة للقرار (المرشد) قد ارتأى ذلك.

ولنعد لتبرير السيد روحاني حول تباين السياسات الخارجية بين فترة نجاد ورفسنجاني وخاتمي وأنها دليل على تأثير الرئيس المنتخب فيها، ونقول: إن ما تسعى له دول الخليج العربي وتتطلع له من النظام الإيراني، ليس تغييرا تكتيكيا في السياسة الخارجية حسب معطيات الوضع الآني، بل المراد هو تغيير جذري لمرتكزات السياسة الخارجية للنظام الإيراني والتخلص من الثنائية والازدواجية بحيث لا يأتي مرتكزا من قبيل دعم النضال المشروع للمستضعفين لِيُفرِغ عدم التدخل في شؤون الغير واحترام سيادة الدول من محتواه.

وبالتالي ما تلبث أن تخيم العلاقات الودية على دول الخليج العربي وإيران حتى تأتي عاصفة هوجاء تعيد تلك العلاقات إلى حالة التوتر نتيجة تلك الازدواجية.

* كاتب و أكاديمي إماراتي