أحداث البحرين.. انطلاقة نحو الاتحاد الخليجي

TT

ارتكبت جمعية «الوفاق» البحرينية، الموالية سياسيا ومذهبيا لنظام «الولي الفقيه» في إيران، خطأ فادحا حينما اعتقدت، في غمرة أحداث فبراير (شباط) 2011، أن البحرين تقف وحيدة في المشهد، وأن الحكومة البحرينية، برئاسة الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، لن تجد مخرجا لدرء ما كان يخطط له الاتجاه الطائفي.

زعيم جمعية «الوفاق»، تحدث في أحد التجمعات، بعد أن رفض جميع مساعي الحوار، قائلا إن البحرين ستحترم التزاماتها وتعهداتها الدولية. قال ذلك معتقدا أن الطائفية قد نجحت، وأن المعارضة باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمها في الطائفية المقيتة.

في مشهد مماثل على بعد أمتار، على منصة بدوار مجلس التعاون، أشار معارض بحريني، يقضي الآن حكما بالسجن بتهمة التخابر مع الخارج للضرر بالدولة وهيبتها، إلى أن المعارضة، ليس هدفها الحصول على رئاسة الوزراء، بل أبعد من ذلك (من منطلق طائفي إقصائي)، ثم دعا أنصاره إلى البقاء في «الدوار» وعدم مبارحته إلى أن «يسقط الاقتصاد البحريني»..!

من أطلقوا هذه الرسائل، ممن يعتبرون أنفسهم «سياسيين» و«نشطاء» إبان الأزمة، تجاهلوا عاملين أساسيين؛ الأول أن هناك طيفا واسعا من الشعب البحريني تشكل لاحقا في صيغة «ائتلاف الفاتح»، وحوى الأغلبية العظمى. هذا الطيف كان صامتا طوال فترة الإصلاح التي انفردت خلالها جمعية «الوفاق» بالعمل السياسي، وحققت كثيرا من المكاسب لها ولمنتسبيها وعلى أسس طائفية بحتة. هذا الطيف الواسع، أجبرته جمعية «الوفاق»، بسبب شعاراتها التي تبنت إقامة دولة طائفية و«جمهورية إسلامية» تابعة لإيران، على أن ينتفض ويخرج إلى الشارع لمواجهتها سياسيا، ويرفضها رفضا باتا ويمنعها من التحدث باسم «شعب البحرين». أما العامل الآخر فهو أن جمعية «الوفاق» أغفلت أيضا حقيقة أن البحرين تمثل امتدادا جغرافيا وسياسيا وأمنيا لجميع دول مجلس التعاون، بل وتعتبر البوابة الشرقية لشبه الجزيرة العربية. بمعنى آخر، البحرين تمثل أحد أهم مفاتيح الأمن والاستقرار لدول الخليج العربي، وما كانت هذه الدول لتسمح بأي حال من الأحوال أن تختطف البحرين على يد جماعة تريد للبحرين الانحراف عن هويتها العربية، وتحويلها من دولة عربية خليجية إلى دولة تابعة لإيران، ولتجعل منها نسخة من النموذج العراقي الغارق في وحل الطائفية والعنف.

من هنا، كان دخول قوات درع الجزيرة المشتركة إلى البحرين محطة فارقة في سلسلة الأحداث، لأنها، من جهة، كانت بمثابة رسالة إلى إيران تحذرها من محاولة استغلال الأوضاع والتفكير في التدخل في البحرين، ومن جهة أخرى، أكسبت هذه الخطوة دول مجلس التعاون قدرا أكبر من التماسك والقدرة على التعامل مع ما يهدد أمن الخليج بشكل جماعي، وبقدر أكبر من الوضوح أمام القوى الإقليمية والدولية.

في ندوة أقيمت في واشنطن برعاية الكونغرس الأميركي في فبراير 2012، قال كولن كال نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق، إن دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، إثر تزايد وتيرة العنف ومقتل رجل شرطة دهسا من قبل «أنصار المعارضة»، أدى إلى إيقاف المساعي الأميركية في إنفاذ خطة لإيجاد حل للأزمة، على حد وصفه.

صمدت البحرين بمساعدة شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي أمام العاصفة، التي كان مصيرها الفشل، وبدأت الآن تتعافى من تبعات الأزمة بشكل كبير، خصوصا على الصعيد الاقتصادي. غير أن ما تحقق بعد فشل مشروع إسقاط حكومة البحرين هو انطلاق فكرة قيام الاتحاد الخليجي، حيث استشعر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، خطورة ما يحيط بدول مجلس التعاون من متغيرات إقليمية ودولية، ووجه دعوته التاريخية لقادة دول مجلس التعاون للانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد.

أحداث البحرين كانت هي المنطلق لهذه الدعوة، لأنه حينما تحركت دول مجلس التعاون لتحمي البحرين من خطر الانهيار، من خلال تفعيل الاتفاقية الخليجية التي تأسست على أساسها «قوات درع الجزيرة» عام 1982، و«قوات درع الجزيرة المشتركة» عام 2005، اضطرت الدول العظمى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، إلى التعامل مع واقع الوضع، والإقرار بأن هذه الدول الست (دول مجلس التعاون الخليجي) هي عبارة عن كيان جغرافي وسياسي واحد، ويجمعها مصير مشترك، على الرغم من أن واشنطن حاولت الاعتراض على هذه الخطوة، من خلال تصريح وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، حينما وصفتها بأنها «ليست خطوة في الاتجاه الصحيح»، قبل أن تتراجع عن هذا التصريح في وقت لاحق.

* كاتب وأكاديمي بحريني