تجرب الدول جميع الوسائل والوسائط قبل أن تصل في النهاية إلى الحل عن طريق الحرب. والذي يسارع إلى التهديد بالحرب أولا، ليس رجل دولة، لأنه لا يعرف ولا يقدر آثار ذلك على شعبه وشعب خصمه. المواقف التي دعت في مصر إلى الحرب على إثيوبيا بسبب سد النهضة الذي تنوي إقامته، كانت مواقف بهلوانية وعرض عضلات على الحبال في الهواء. ومواقف السودان في تأييد إثيوبيا ضد مصر كان موقفا بهلوانيا وعصا في الهواء.
نجح صدام حسين في مهاجمة إيران وفي احتلال الكويت والثمن النهائي كان سقوط العراق وانهيار دولته. فيما كان رجال محمد مرسي يهددون بضرب إثيوبيا وصل مجدي يعقوب إلى أديس أبابا ومعه فريق طبي كبير لإجراء عمليات قلب لأطفال البلاد. تخيل تأثير المشهد على الإثيوبيين: حكومة «الشرعية» تلعلع وحكومة السودان تتمخطر بالعصا، وفريق مجدي يعقوب يفكك أدوات جراحة القلب لأطفال لا يملكون ثمن الطعام.
هناك ألف وسيلة للاتفاق على مياه النيل قبل الوصول إلى الحرب، أو إلى التحدث عنها، أو إلى تداول الدعوة إليها وكأنها دعوة إلى شم النسيم. شعرت يومها أن مصر في أزمة حقا لأن هذه ليست لغة محمود فوزي ومصطفى النحاس وعبد الخالق حسونة وأحمد ماهر وعمرو موسى وسواهم. واللهم أعد مصر من آتون الاحتقان فإن حكماءها عائدون. ولنتحدث عن النيل الآخر: مهاجرو مصر. هؤلاء يراوحون بين الفقير والفائق الثراء. ومجدي يعقوب ليس أكثرهم ثراء على الإطلاق. لكنه أكثرهم تذكرا لمصر. لا تمر فترة إلا ويقيم فيها مشروعا جديدا. ينشئ المؤسسات الصحية في الإسكندرية أو السياحية في أسوان فيما يغرق أصحاب الأسماء التجارية الكبرى في السؤال عن سعر القطن.
لا ضرورة للأسماء لأنه لا نفع في ذلك. تذكر أنك أسمعت لو ناديت حيا. لكن سوف يظل أعظم الأعمال عندي هو عمل الخير. وكل من تقرأون أسماءهم على اللوحة الضوئية لاحظوا كم تدوم أضواؤهم. يشترون شيئا ثم يأتي من يشتريهم. بيع وشراء. سألت دبلوماسيا سعوديا سابقا: ما أهم ما حققته في حياتك؟ قال: تبرعت بـ22 مليون ريال لجمعية خيرية. قلت هذا كرم كبير. قال هذا دين صغير.
سوف تعني لنا أكثر تلك الأسماء الوهاجة في مصر، ليس عندما نعرف ما هو الأجر الذي تقاضته بل ما هو القدر الذي أفرغته للمحتاجين في مصر ولإقامة المؤسسات والمصحات ومنح التعليم ومساعدات العلاج. مجدي يعقوب محا من آذان الإثيوبيين صوت طبول الحرب الفارغة التي قرعت في مقهى النشاط.