خديعة أم سذاجة

TT

أمر الغربيين يحيرني. لديهم ما يكفي من الخبراء والعلماء والسفراء والجواسيس والأساتذة المختصين في شؤون العالم الثالث. ومع ذلك لا يخرجون من مطب إلا ووقعوا في مطب أكبر وأخطر فيما يتعلق بشؤوننا. سلسلة طويلة من الأخطاء، من وعد بلفور وسايكس بيكو إلى غزو العراق 2003.

وأخيرا كل ذلك التردد بشأن سوريا. يعود الكثير من هذه الأخطاء إلى إيمانهم الساذج بالديمقراطية. يتصورون أن نجاحها في عالمهم المتطور والمتعلم سيتم أيضا وبكل سهولة في عالمنا المتخلف والأمي.

أثارت عملية الجيش المصري في إسقاط حكومة مرسي امتعاضا بين الأوساط الغربية. كان منها ما عبرت عنه مجلة «الإيكونومست» رغم اعترافها بأن البطالة بين الشبيبة قد ارتفعت في عهدها إلى 40% وارتفعت جرائم القتل إلى ثلاثة أضعافها وتدهورت قيمة الجنيه المصري إلى حد أرعب صندوق النقد الدولي مما جعله يمسك عن تقديم أي قرض لها. وأضاف رئيس تحرير «الإيكونومست» أن محمد مرسي وحكومة الإخوان أثبتوا عدم أهليتهم لإدارة شؤون البلاد.

كيف وصلوا إذن إلى سدة الحكم؟ نعم بالعملية الديمقراطية ذاتها. ومع ذلك يمضي رئيس التحرير المستر كيري فيدعو ثانية، أو ثالثة أو عاشرة، إلى «ديمقراطية تمثل الشعب». فاته تماما أن يلاحظ أن جل هذه الأنظمة الفاشلة في العالم الثالث، كالعراق، انتخبتها حكومات تمثل شعبها، وفي رأيي أصدق تمثيل. ومن الطريف أن نلاحظ أن كل الأنظمة الإسلاموية، بما فيها تركيا، تأسفت على سقوط مرسي. يبدو أن الإسلامويين يحبون الفشل والضيق وسوء الأحوال. فهذه من علائم الدنيا الفانية. المهم دنيا الآخرة.

لا أشك أن خبراء البيت الأبيض في أميركا على علم جيد بأن الأمية (وشبه الأمية) تسود أكثرية شعوب هذه المناطق. تسليم شؤون البلاد في هذا العالم المعاصر المعقد لرأيها وهواجسها وعواطفها وجهالاتها وخرافاتها حماقة ما بعدها من حماقة. السؤال الذي يخطر في البال، هل أن كل هؤلاء الخبراء لا يعرفون هذه الحقيقة؟ أم يعرفونها ويتجاهلونها؟ الظاهر أنهم يتجاهلونها.

والسؤال الثاني هو هل يتجاهلونها احتراما لإيمانهم المطلق بالديمقراطية البرلمانية وحق التصويت للجميع بغض النظر عن اختلاف الظروف؟ إن كان الأمر كذلك فهذه سذاجة. أم يا ترى أنها خديعة منهم لإبقاء هذه الشعوب المتخلفة على حالها وتخبطها ليسهل على الغرب السيطرة عليها واستغلالها ومنعها من النهوض والمنافسة؟

لست من المتحمسين لفكرة المؤامرة. ولكن هذا الجهل أو التجاهل الغربي في معرفة أبعاد هذه المشكلة يحيرني حقا.

لا بد من الوصول إلى صيغة دستورية وشرعية للديمقراطية تتناسب مع ظروفنا وتضمن لنا الحصول على أنظمة مستقرة وذات كفاءة ومجالس شورى تمثل الشريحة الواعية والقادرة على تفهم معطيات العصر الحديث وحقوق الإنسان والتعامل مع الحراك العالمي للتطور والنهوض والتنمية ومواكبة آخر مستجدات العلوم والفنون الحديثة وليس قمعها وتكفيرها وتجاهلها.