صحة الناس.. نتاج جهودهم في العناية بها

TT

على الرغم من كونها أكبر منفق على الرعاية الصحية لشعبها في العالم، تتخلف الولايات المتحدة عن الكثير من البلدان المتقدمة الأخرى في مستوى صحة الشعب الأميركي. هذا ما أفادته الدراسة الأحدث في سلسلة تقارير ودراسات العبء العالمي لمعالجة الأمراض والحفاظ على مستويات مقبولة لصحة شعوب العالم «Global Burden of Disease Study»، التي تعاون في إعدادها 488 من الباحثين في 50 بلدا، وتم من خلالها «غربلة» كميات هائلة من المعلومات لمعرفة كيفية مقارنة البلدان المختلفة في جوانب متوسط العمر المتوقع «life expectancy» والصحة العامة للشعوب.

وكان البيت الأبيض ونادي الصحافة الوطني «National Press Club»، قد قاما، كل على حدة، في العاشر من يوليو (تموز) الحالي باستضافة إعلان نتائج الدراسة، كما تم نشرها في عدد نفس اليوم من مجلة «الجمعية الطبية الأميركية» «Journal of the American Medical Association». وما خلصت الدراسة إليه بالنسبة للولايات المتحدة أنها هي الأعلى في الإنفاق المادي لتقديم الرعاية الصحية لكل إنسان «per capita» «أي لكل رأس إنسان»، وأنه ونتيجة ذلك لا يتمتع أفراد الأمة الأميركية بمستوى صحي يتناسب مع حجم الإنفاق المادي الأعلى في تاريخ الأمم، بل إن الأميركيين يمضون غالبية حياتهم في حالة صحية أسوأ مقارنة بالأفراد في غيرهم من الأمم.

وراجع الباحثون البيانات المتعلقة بحصر معدلات حصول الوفاة المبكرة وحالات الإعاقة والعجز الناجمة عن الإصابة بـ291 من الأمراض والإصابات في 34 بلدا حول العالم، وقاموا بقياس عدد وتأثيرات سنوات الحياة المفقودة نتيجة الوفاة المبكرة، وعدد وتأثيرات سنوات العيش بالإعاقات والعجز، والمعدلات المتوقعة لعيش حياة بصحة جيدة، وذلك فيما بين عامي 1990 و2010. وعلى الرغم من «المكاسب» التي جنتها الأمة الأميركية في زيادة «العمر المتوقع من 75.2 سنة في عام 1990 إلى 78.2 سنة في عام 2010، إلا أن الأمة الأميركية تراجعت من المرتبة 20 إلى المرتبة 27 في مقدار «العمر المتوقع عند الولادة» (life expectancy at birth)، وتراجعت من المرتبة 14 إلى المرتبة 26 في مقدار سنوات «العيش بصحة جيدة» (healthy life expectancy). وذلك مقارنة بالدول الـ34 التي تمت مقارنتها بها.

وعلق الدكتور كريستوفر مواري، مدير معهد القياسات الصحية والتقييم بجامعة واشنطن في سياتل والباحث الرئيس في الدراسة، بالقول: «بالمقارنة مع البلدان الأخرى ذات الدخل المادي العالي، فإن نتائج مخرجات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة هي دون المتوسط (mediocre)». وأضاف: «من النادر أن تحصل على معلومات أو نتائج دراسة تعطيك صورة أكبر وأوضح، ومن غير المعتاد أن تتراجع خطوة إلى الوراء لتقول: ماذا تقول لي كل هذه الأدلة عن المشكلات الصحية العالية في الأهمية وأين موقع الولايات المتحدة في هذا المشهد؟». واستطرد: «شهدت الولايات المتحدة تحولات في السنوات العشرين الماضية من الأمراض التي تهدد الحياة وتجعلها أقصر، ولكنها تعاني من الأمراض المزمنة التي تؤدي إلى العجز على المدى الطويل، وهذا يعني أن الأميركيين يعيشون عمرا أطول في الجملة ولكنهم ليس بالضرورة يعيشون حياة أطول وهم في صحة جيدة».

وأوضح أنه في مقابل زيادة «العمر المتوقع» ثلاث سنوات في أميركا، إلا أن دولا أخرى كسبت أكثر، وذكر أن آيرلندا كسبت خمس سنوات وكوريا الجنوبية 7.6 سنة وأستراليا 4.6 سنة. وبالمقارنة مع أستراليا تحديدا أفاد بأن الأستراليين ينفقون نصف ما ينفقه الأميركيون على الصحة ومع ذلك هم أقل عرضة للوفاة المبكرة أو الإصابة بالعجز والإعاقات ولديهم معدلات أقل في الوفيات من أمراض القلب والسرطان والرئة والعنف ومرض السكري.

وختم تعليقاته بالقول: «يبدو أن السبب الرئيس وراء المشكلات الصحية في الولايات المتحدة هو عادات الأكل غير الصحية، والتي تتميز بأنها منخفضة في تناول الفواكه والخضراوات والمكسرات والبذور، ومرتفعة جدا في تناول أملاح الصوديوم واللحوم المصنعة والأحماض الدهنية المشبعة، إضافة إلى ارتفاع المشكلات النفسية كالاكتئاب والقلق».

وقال الدكتور هارفي فاينبيرغ، رئيس مؤسسة الصحة بالولايات المتحدة في مقالة تقديم الدراسة: «إذا أردنا أن ننعم بصحة أفضل فعلينا أن نغير الطريقة التي يعيش بها معظمنا، وأتمنى أن أرى الأموال تنفق لمساعدة الناس على القيام بهذه التغيرات الصعبة عليهم. ونحن ننفق ضعف ما تنفقه الأمم الأخرى، و30% من التوسع في الإنفاق الصحي، وهو ما يقارب 750 مليار دولار سنويا، لا يقدم لنا صحة أفضل، ولذا علينا صناعة نظام تقديم رعاية صحية يضيف لنا قيمة حقيقة أعلى بدلا من التكاليف والهدر في مزيد من الأموال».

إن تحسين المستوى الصحي لأي أمة لا يكون بتوقع الناس تلقي الصحة كبضاعة تخصيص لها الدولة ميزانيات للحصول عليها، بل بصناعة كل إنسان للصحة في نفسه وجسمه وفي نفس وأجسام من هم حوله من خلال الاستخدام الأمثل لتلك الموارد المالية. والأمر ليس صعبا والقصة ليست لغزا، بل هي توجيه الجهود والاستفادة من الموارد المالية في الوقاية وفي الرعاية الأولية وفي تعلم ممارسة العيش بطريقة صحية.